للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ، رد لما أمروه به من عبادة آلهتهم، كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إذا عبدت فاعبد الله، فحذف الشرط، وأقيم تقديم المفعول مقامه. وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على ما أنعم به عليك حيث جعلك رأس الموحدين وسيد المرسلين.

الإشارة: الله مُظهر كل شيء حيث تجلّى بها، وهو قائم بكل شيء. له مفاتيح غيوب السماوات والأرض، لا يطلعَ عليها إلا مَن خضع لأوليائه، الذين هم آيات من آياته. والذين كفروا بآيات الله، الدالة على الله، وهم أولياء الله، أولئك هم الخاسرون، فلا خسران أعظم من خيبة الوصول إذ لا يخلو المفروق عن الله من الشرك الخفي، فإذا أُمر المريد بإظهار شيء من سره، أو مداهنة غيره، قال: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ. وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ بأن طالعت غيري فى سرك، أو تشوقت أن يعلم الناس بخصوصيتك لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ واكتفِ به، واقنع بعلمه، واغتنِ بشهوده، وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ على ما أولاك من سر خصوصيته.

ثم ردَّ على أهل الشرك، فقال:

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٦٧]]

وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)

يقول الحق جلّ جلاله: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي: ما عظَّموه حق تعظيمه حيث جعلوا له شريكاً، أو وصفوه بما لا يليق بشئونه الجليلة، أو: حيث دعوك إلى عبادة غيره تعالى، أو: ما عَرفُوه حق معرفته، حيث لم يؤمنوا بقدرة الله تعالى. قال ابن عباس: فمَن آمن إن الله على كل شيء قدير، فقد قَدَر الله حقَ قدره.

يقال: قدرت الشيء: إذا حزرته لتعرف مبْلغه، والقدر: المقدار. والضمير، إما لقريش، المحدث عنهم، وقيل: لليهود، حيث تكلّموا في صفات الله تعالى، فألحدوا وجسّموا.

ثم بيَّن لهم شيئاً من عظمته تعالى، فقال: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ: ف «جميعاً» : حال من الأرض لأنه بمعنى الأرضين، أي: والأرضون جميعاً مقبوضة له بقدرته يوم القيامة. وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ أي: بقدرته. والقبضة: المرة من القبض، والقُبْضة: المقدار المقبوض بالكف، والمراد من الكلام: تصوير عظمته تعالى، والتوقيف على كنه جلاله، وأن تخريب هذا العالم هو عليه شيء هين، على طريقة التمثيل والتخييل، من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة، ولا مجازاً، هكذا قال جمهور المفسرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>