للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من وجود أصله، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، كما في الحِكَم «١» . العالم بالله من السابقين المقربين، والجاهل به من عامة أهل اليمين، ولو تبحّر فى العلوم الرسمية غاية التبحُّر. قال الورتجبي: وصف تعالى أحوال أهل الوجود والكشوفات، المستأنسين به، وبلذائذ خطابه ومناجاته، وتحمّلوا من لطائف خطابه مكنونَ أسرار غيبه، من العلوم الغريبة، والأنباء العجيبة، لذلك وصفهم بالعلم الإلهي، الذي استفادوا من قُربه ووصاله، وكشف جماله بقوله: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ كيف يستوي الشاهد والغائب، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟. هـ.

قال القشيري: العلم المخلوق على ضربين: علم مجلوبٌ بكسب العبد، وموهوبٌ من قِبَلِ الربِّ.. انظر تمامه.

ثم أمر بالتقوى، التي هى أصل القنوت، فقال:

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ١٠]]

قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠)

قلت: فِي هذِهِ: متعلق بأحسنوا، أو: بحسنة، على أنه بيان لمكانها، أو: حال من ضميرها في الظرف.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم بأن يحثّهم على التقوى ويُذكِّرهم بها، بعد تخصيص التذكير بأولي الألباب، إيذاناً بأن أُولي الألباب هم أهل التقوى، وفي إضافتهم إلى ضمير الجلالة بقوله: يا عِبادِ تشريف لهم، ومزيد اعتناء بشأن المأمور به، وهو التقوى.

ثم حرَّض على الامتثال بقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي: اتقوا الله وأطاعوه فِي هذِهِ الدُّنْيا الفانية، التي هي مزرعة الآخرة. حَسَنَةٌ أي: حسنةٌ عظيمة، لا يُكتنه كُنهها، وهي الجنة ونعيمها، أو: للذين أحسنوا بالطاعة والإخلاص حسنة معجّلة في الدنيا، وهي الصحة والعافية، والحياة الطيبة، أو: للذين أحسنوا، أي: حصلوا مقام الإحسان- الذي عبّر عنه عليه الصلاة والسّلام بقوله: «أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه» - حسنة كبيرة، وهي لذة الشهود، والأنس بالملك الودود في الدارين.


(١) انظر الحكم بتبويب المتقى الهندي/ ٢٧ حكمة ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>