للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشماله، بدلالة ما سبق من القبيل المقابل، ولعل العدول عن التصريح به إلى ذكره بهذا العنوان للإشعار بالعلة الموجبة له، فإنَّ العمى عن الحق والضلال هو السبب في الأخذ بالشمال، وهذا كقوله في الواقعة: وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ «١» ، بعد قوله: وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ «٢» . والله تعالى أعلم.

الإشارة: يدعو الحق تعالى، يوم القيامة، الأمم إلى الحساب بأنبيائها ورسلها، ثم يدعوهم، ثانيًا، للكرامة بأشياخها وأئمتها التي كانت تدعوهم إلى الحق على الهَدْي المحمدي. فيقال: يا أصحاب فلان، ويا أصاحب فلان، اذهبوا إلى الجنة، لا خوفٌ عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. وهذا في حق أهل الحق والتحقيق، الدالين على سلوك الشريعة، والتمسك بأنوار الحقيقة ذوقًا وكشفًا، فكل من تبعهم، وسلك منهاجهم، كان من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهم: أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وأما من لم يكن من حزبهم، ولم يدخل تحت تربيتهم، فإن استعمل عقله وقُواه فيما يُنجيه يوم القيامة كان من الذين يُؤتون كتابهم بيمينهم، ولا يظلمون فتيلا. ومن أهل عقله واستعمل قواه في البطالة والهوى، كان من القبيل الذي عاش في الدنيا أعمى، ويكون في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، والعياذ بالله.

ثم ذكر نوعا من هذا القبيل، الذي أعمى الله بصيرته، فقال:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٧٣ الى ٧٧]

وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً (٧٥) وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (٧٦) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧)

قلت: «وَإِنْ» : مخففة من الثقيلة في الموضعين، واسمها: ضمير الشأن، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، أي: إن الشأن قاربوا أن يفتنوك. و (سُنَّةَ) : مفعول مطلق، أي: سنَّ اللهُ ذلك سنة.

يقول الحق جلّ جلاله: وَإِنْ كادُوا أي: كفار العرب، لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ من أمرنا ونهينا، ووعدنا ووعيدنا، لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ لتقول ما لم أقل لك، مما اقترحوا عليك. نزلت في ثقيف،


(١) الآية ٩٢ من سورة الواقعة.
(٢) الآية ٩٠ من نفس السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>