للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما فقد ذلك التجلي الجمالي حزن عليه، وإلا فالأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- أولى بالغنى بالله عما سواه.

فإذا حصل للقلب الغنى بالله لم يتأسف على شيء، ولم يحزن على شيء لأنه حاز كل شيء، ولم يفته شيء.

«ماذا فقد من وجده، وما الذي وجد من فقده» . ولله در القائل:

أَنَا الفَقِيرُ إِليْكُمُ والْغَنِيُّ بِكُمُ ... وَلَيْس لِي بَعدَكُمُ حِرْصٌ عَلى أَحدِ

وهذا أمر محقق، مذوق عند العارفين أهل الغنى بالله. وقوله: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) : فيه رفع الهمة عن الخلق، والاكتفاء بالملك الحق، وعدم الشكوى فيما ينزل إلى الخلق.. وهو ركن من أركان طريق التصوف، بل هو عين التصوف. وبالله التوفيق.

ثم ذهبوا إلى مصر كما أمرهم أبوهم، قال تعالى:

[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٨ الى ٩٢]

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢)

قلت: (من يتق ويصبر) : من قرأ بالياء: أجرى الموصول مجرى الشرط لعمومه وإبهامه، فعطف على صلته بالجزم، ومنه قول الشاعر:

كذَلِكَ الذي يَبْغي عَلَى النَّاسِِ ظَالِماً ... تُصْبه عَلَى رغمِ عَوَاقِبُ مَا صَنَعْ

يقول الحق جلّ جلاله: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ على يوسف حين رجعوا إليه مرة ثالثة، قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ شدة الجوع، وَجِئْنا إليك بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ: رديئة، أو قليلة، أو ناقصة، تدفع

<<  <  ج: ص:  >  >>