للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالقهرية، وكذلك لما ألقي في النار أخفي عنه المراد منه، وهو السلامة منها ليحصل معنى الابتلاء. وهكذا يكون الحال في حال البلاء، [ينسد عيون التهدي إلى الحال] «١» . وكذلك كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم في الإفك، وأيوب عليه السلام، وإنما تبيّن الأمر بعد ظهور أجر المحنة وزوالها، وإلاَّ لم تكن حينئذ محنة، ولكن مع استعجام الحال وانبهامه إذ لو كشف الأمر عن صاحبه لم يكن حينئذ بلاء. هـ. ملخصا.

ثم قال تعالى:

[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١٢ الى ١١٣]

وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)

قلت: «نبياً» : حال مقدرة من «إسحاق» ، ولا بد من تقدير مضاف محذوف، أي: وبشرناه بوجود إسحاق نبيًّا، أي: بأن يُوجد مقدراً نبوته، فالعامل في الحال: الوجود، لا فعل البشارة، قاله الكواشي وغيره.

يقول الحق جلّ جلاله: وَبَشَّرْناهُ أي: إبراهيم بِإِسْحاقَ بعد امتحانه، نَبِيًّا أي: يكون نبيّاً.

قال قتادة: بشّره بنبوة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه. قالوا: ولا يجوز أن يُبشَّر بنبوته وذبحه معاً لأن الامتحان لا يصح مع كونه عالماً بأن سيكون نبيًّا. هـ. قلت: لا يبعد أن يُبَشَّر بهما معاً قبل المحنة لأن العارف لا يقف مع وعد ولا وعيد لاتساع علمه، فإن الوعد قد يكون متوقفاً على شروط، قد لا يُلم العبد بها، وراجع ما تقدم عند قوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا «٢» بالتخفيف، وعند قوله: وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً «٣» . ثم قال قتادة: وهذه حجة لمَن يقول: إن الذبيح كان إسحاق. ومَن قال: كان إسماعيل الذبيح، قال: بشَّر إبراهيم بولد يكون نبيًّا بعد القصة لطاعته. هـ. وذكر ابن عطية عن مالك أنه نزع بهذه الآية لكون الذبيح إسماعيل، انظر بقية كلامه. وتقدّم الجواب عنه، فإنّ الأولى بولادته، وهذه بنبوته. انظر الحاشية.

وقوله: مِنَ الصَّالِحِينَ: حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء لأن كل نبيّ لا بد أن يكون من الصالحين.

قال ابن عرفة: الصلاح مقول بالتشكيك، فصلاح النبي أعظم من صلاح الولي. هـ. وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ أي: أفضنا عليهم بركات الدين والدنيا. وقيل: باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا


(١) عبارة القشيري: (تنسد الوجوه فى الحال) .
(٢) الآية ١١٠ من سورة يوسف. [.....]
(٣) الآية ١١ من سورة الأحزاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>