يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ يُبين لهم أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين الذي اشتبه عليهم. ومن جملة ما اختلفوا فيه: المسيح، وتحزّبوا فيه أحزاباً، وركبوا متن العند والغلو في الإفراط والتفريط، ووقع بينهم المناكرة في أشياء، حتى لعن بعضُهم بعضاً. وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه، لو أنصفوا وأخذوا به، وأسلموا. يريد اليهود والنصارى، وإن كانت الآية خاصة باليهود. وَإِنَّهُ- أي: القرآن لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ على الإطلاق، فيدخل فيهم من آمن من بني إسرائيل دخولاً أولياً.
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ أي: بين بني إسرائيل، أو: بين من آمن بالقرآن ومن كفر به، بِحُكْمِهِ أي:
بعدله لأنه لا يحكم إلا بالعدل، فسمى المحكوم به حكماً. أو: بحكمته، ويدلّ عليه قراءة مَن قرأ «بِحِكَمه» : جمع:
حِكمة «١» لأن أحكامه تعالى كلها حِكَم بديعة. وَهُوَ الْعَزِيزُ، فلا يُردّ حُكمه وقضاؤه، الْعَلِيمُ بجميع الأشياء، ومن جملتها: من يقضي له ومن يقضي عليه. أو: العزيز في انتقامه من المبطلين، العليم بالفصل بين المختلفين.
فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، الفاء لترتيب ما قبله من ذكر شئونه- عز وجل- فإنها موجبة للتوكل عليه، داعية إلى الأمر به، أي: فتوكل على الله الذي هذا شأنه. وهذه أوصافه، فإنه موجب لكل أحد أن يتوكل عليه، ويفوض جميع أموره إليه. أو: فتوكل على الله ولا تُبالي بأعداء الدين. إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، تعليل للأمر بالتوكل بأنه الحق الأبلج، وهو الدين الواضح الذي لا يتطرقه شك ولا ريب.
(١) وهى قراءة جناح بن حبيش، كما ذكر صاحب البحر المحيط (٧/ ٩١) .