للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو الحسن صلّى الله عليه وسلم: يقول الله- عزّ وجل: عبدي اجعلني مكان همك أكفك همك، عبدي ما كنت بك فأنت في محل البُعد، وما كنت بي فأنت في محل القُرب، فاختر لنفسك. هـ. أي: ما دمت مهموماً بنفسك فأنت في محل البُعد، وإذا خرجت عنها، وطرحتها بين يدي خالقها، أو غبت عن وجودها بالكلية، فأنت في محل القُرب، الأول: قُرب مراقبة، والثاني: قُرب مشاهدة.

وقوله تعالى: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ: هو عام في كل ما يُخاف منه، فالعارف لا يخاف من شيء لعلمه بأن الله ليس معه شيء، ولا يقع في الوجود إلا قدره وقضاؤه، ومَن يعتقد غير هذا فهو ضال، ومَن يُضلل الله فلا هاديَ له. وبالله التوفيق.

ثم قرر هذا الأمر وحقيقته بقوله:

[[سورة الزمر (٣٩) : آية ٣٨]]

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي: مَن يخوفونك ممن سوى الله، وقلت لهم: مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ لوضوح الدلائل على انفراده بالاختراع. قُلْ تبكيتاً لهم: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام، إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أي: إذا تحققتم أن خالق العالم العلوي والسفلي هو الله وحده، فأخبروني عن آلهتكم، إن أرادني اللهُ بضُر هل يقدر أحد منهم على كشف ذلك الضر عني؟ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ أي: بنفع هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ وصارفتها عني؟! وقرأ البصري: «كاشفاتٌ» و «ممسكاتٌ» بالتنوين، ونصب «ضره» و «رحمته» على المفعول. وتعليق إرادة الضر والرّحمة بنفسه صلّى الله عليه وسلم، للرد في نحورهم حيث كانوا يُخوفونه من معرَّة الأوثان، ولما فيه من الإيذان بإمحاض النصيحة. وإنما قال: «كاشفات» و «ممسكات» على التأنيث، بعد قوله: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ لأنهن إناث، وهن اللات، والعزّى، ومناة، وفيه تهكّم بهم، وبمعبودهم حيث جعلهم يعبدون الإناث.

<<  <  ج: ص:  >  >>