الإشارة: ما زال الفقراء يعظمون أشياخهم، ويبالغون في ذلك حتى يُقبِّلون أرجلهم والترابَ بين أيديهم، ويجتهدون في خدمتهم «١» ، فإذا رءاهم الأشياخ فعلوا ذلك سكتوا عنهم، لأن ذلك هو ربحهم وسبب فتحهم، وفي ذلك قال القائل:
بذَبْح النفوس وحط الرءوس تصفى الكئوس لكنهم يرشدونهم إلى الحضرة، حتى يفنوهم عن شهود الواسطة، فيكون تعظيمهم وحط رأسهم إنما هو لله لا لغيره، وحينئذٍ يكونون ربانيين، علماء بالله مقربين، وكان شيخنا يقول: لا تزوروني على أني شيخكم، ولكن اعرفوا فينا، وافنوا عن رؤية حسناً، حتى يكون التعظيم إنما هو لله ربنا. هـ. فدلالة الأشياخ للفقراء على التعظيم والأدب ليس ذلك مقصوداً لأنفسهم، وحاشاهم من ذلك. ما كان لبشر أن يؤتيه الله الخصوصية ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله، ولكن يقول لهم: كونوا ربانيين عارفين بالله، حتى يكون تعظيمكم إنما هو لله، ولا يأمر أيضاً بالفرق حتى يتخذوا الأشياء أرباباً من دون الله، ولكن يأمر بالجمع حتى يغيبوا عما سوى الله، وكيف يأمرهم بالفرق، وهو إنما يدلهم على الجمع؟ أيأمرهم بالكفر بعد أن كانوا مسلمين. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر أخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم في الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلم فقال:
قلت: اللام في (لما) ، موطئة للقسم لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستخلاف، و (ما) : يحتمل الشرطية، و (لتؤمنن) : جواب القسم، سد مسد الجواب، أي: مهما آتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول الله لتؤمنن به.
ويحتمل الموصولية، و (لتؤمنن) : خبر عنه، وحذف شرط يدل عليه السياق أي: للذي آتيناكم من كتاب وحكمة، ثم إذا جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به. ومن قرأ بكسر اللام كان تعليلاً للأمر بالإيمان بالرسول، أي:
لأجل الذي خصصتكم به إذا جاءكُمْ رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، وإذا كان أخذ الله الميثاق على الأنبياء كان على الأتباع أولى، أو استغنى بذكر الأنبياء عن ذكر أتباعهم لأنهم فى حكمهم.
(١) هذا مشروط كما بين الشيخ مرارا- بأن يكون فى حدود الشرع الشريف.