قلت:(ما زادوكم إلا خبالاً) قال بعضهم: هو استثناء منقطع، أي: مازادوكم شيئاً، لكن خبالاً يُحدِثُونه في عسكركم بخروجهم. قال ذلك لئلا يلزم أن الخبال واقع في عسكر المسلمين، لكن خروجهم يزيد فيه. وفيه نظر لأن الاستثناء المفرغ لا يكون منقطعاً، ويمكن هنا أن يكون متصلاً لأن غزوة تبوك خرج فيها كثير من المنافقين، قحصل الخبال، فلو خرج هؤلاء المستأذنون في التخلف، القاعدون، لزاد الخبالُ بهم.
وقوله:(ولأوضعوا) أي: أسرعوا، والإيضاع: الإسراع، و (خلالكم) : ظرف، أي: لأسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة، وجملة:(يبغونكم) : حال من فاعل «أوضعوا» .
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَوْ أَرادُوا أراد المنافقون الْخُرُوجَ إلى الغزو معكم، وكانت لهم نية في ذلك لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً أي: لاستعدوا له أهبتَهُ قبل أوانه. فما فعلوا، وَلكِنْ تثبطوا لأنه تعالى كره انْبِعاثَهُمْ، أي: نهوضهم للخروج، فَثَبَّطَهُمْ أي: حبسهم وكسر عزمهم، كسلاً وجبناً، وَقِيلَ لهم:
اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ من النساء والصبيان وذوي الأعذار، وهو ذم لهم وتوبيخ. والقائل في الحقيقة هو الله تعالى، وهو عبارة عن قضائه عليهم بالقعود، وبناه للمجهول تعليماً للأدب. قال البيضاوي: هو تمثيل لإلقاء الله كراهة الخروج في قلوبهم، أو وسوسة الشيطان بالأمر بالقعود، أو حكاية قول بعضهم لبعض، أو إذن الرسول لهم. هـ.
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مازادكم خروجهم شيئاً إِلَّا خَبالًا فساداً وشراً. والاستثناء من أعم الأحوال، فلا يلزم أن يكون الخبال موجوداً، وزاد بخروجهم، أو إذا وقع خبال بحضور بعضهم معكم مازادكم هؤلاء القاعدون بخروجهم إلا خبالاً زائداً على ما وقع. وَلَأَوْضَعُوا أي: لأسرعوا خِلالَكُمْ أي: فيما بينكم، فيسرعون في المشي بالنميمة والتخليط والهزيمة والتخذيل، يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي: حال كونهم طالبين لكم الفتنة، بإيقاع