العصيان، أذِنتَ أو لم تأذن. هـ. قال ابن جزي: كانوا قد قالوا: استأذنوه في القعود، فإن إذن لنا قعدنا، وإن لم يأذن قعدنا، وإنما كان يظهر الصادق من الكاذب لو لم يأذن لهم، فحيئنذ كان يقعد العاصي والمنافق، ويسافر المطيع الصادق. هـ.
لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أي: ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا، بل الخُلَّص منهم يُبادرون إليه، ولا يوقفُونه على الإذن فيه، فضلاً عن أن يستأذنوا في التخلف عنه، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ فيثيبهم ويقربهم، وهي شهادة لهم بالتقوى وَعِدَةً لهم بثوابه.
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ في التخلف الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وخصص ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر إشعاراً بأن الباعث على الجهاد والوازع عنه: الإيمان وعدم الإيمان بهما، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ أي: شكَّت في الإيمان والبعث، فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ: يتحيرون. ونزلت الآية في عبد الله بن أبي والجَدُّ بن قيْس، وأمثالهما من المنافقين.
الإشارة: لا ينبغي للعارفين بالله الداعين إلى الله، إن يأذنوا لمن استأذنهم في التخلف عن الجهاد الأكبر، ويرخصون له في البقاء مع النفس والهوى، وجمع حطام الدنيا، شفقةُ ورحمةً لأن الشفقة في هذا المعنى لا تليق بأهل التربية، فقد قالوا: الشفقة والرطوبة لا تليق بشيوخ التربية، بل لا يليق بهم إلا الأمر بما تموت به النفوس، وتحيا به الأرواح، وإن كان فيه حتفُهم. وقد قالوا أيضاً: إذا كان الشيخ يحرش على المريد «١» ، ويقدمه للمهالك في نفسه أو ماله أو جاهه، فهو دليل على أنه يحبه وينصحه، وإذا كان يرخص له فى أمور نفسه، ويأمره بالمقام معها، فهو غير ناصح له.
وأما الإذن في التجريد وعدمه: فإن رآه أهلاً له لنفوذ عزمه، فيجب عليه أن يأمره به، وإن رآه لا يليق به لعوارض قامت به، منعه منه، حتى ينظر ما يفعل الله به، وسأل رجلٌ القطبَ ابنَ مشيش، فقال له: يا سيدي استأذنك في مجاهدة نفسي؟ فقال له: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ.