للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سواه، كائناً ما كان، من جنس الأشخاص، أو من جنس الأحوال أو المقامات أو الكرامات لئلا تنخرط في سلك من اتخذ من دون الله أولياءَ، فتكون كاذبًا في العبودية.

رُوِيَ عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه قال: قرأتُ الفاتحة، فقلت: الحمد لله رب العالمين. فقال لي الهاتف مِنْ قِبَل الله تعالى: صدقت، فقلت: الرحمن الرحيم، فقال: صدقت. فقلت: مالك يوم الدين، فقال: صدقت.

فلما قلتُ: إياك نعبد، قال كذبتَ لأنك تعبد الكرامات، قال: ثم أدبني، وتبت لله تعالى. ذكره ابن الصباغ مُطولاً.

قلت: ولعله قبل ملاقاة الشيخ، ولذلك عاتبه بقوله: يا أبا الحسن عِوَضُ ما تقول: «سَخِّر لي خلقك» ، قل: يا رب كن لي، أرأيت إن كان لك أيفوتك شيء؟ نفعنا الله بجميعهم.

وهذا الغلط يقع للمتوجهين ولغيرهم، يظنون أنهم يُحسنُون صُنعًا، وهم يسيئون، كما قال تعالى:

[سورة الكهف (١٨) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٦]

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)

. قلت: أَعْمالًا: تمييز، وفِي الْحَياةِ: متعلق بسعيهم.

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ يا معشر الكفرة بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا أي:

بالذين خسروا من جهة أعمالهم كصدقةٍ، وعتق، وصلة رحم، وإغاثة ملهوف، حيث عملوها في حال كفرهم فلم تُقبل منهم، وهم: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ أي: بطل بالكلية فِي الْحَياةِ الدُّنْيا أي: بطل ما سَعْوا فيه في الحياة الدنيا وعملوه، وَهُمْ يَحْسَبُونَ: يظنون أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أي: يأتون بها على الوجه الأكمل، وقد تركوا شرط صحتها وكمالها، وهو الإيمان، واختلف في المراد بهم، فقيل: مشركو العرب، وقيل: أهل الكتابين، ويدخل في الأعمال ما عملوه في الأحكام المنسوخة المتعلقة بالعبادات. وقيل: الرهبان الذين يحبسون أنفسهم في الصوامع ويحْملونَها على الرياضات الشاقة.

والمختار: العموم في كل من عمل عملاً فاسدًا، يظن أنه صحيح من الكفرة، بدليل قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ: بدلائل التوحيد، عقلاً ونقلاً، وَلِقائِهِ: البعث وما يتبعه من أمور الآخرة، فَحَبِطَتْ لذلك أَعْمالُهُمْ المعهودة حبوطًا كليًا، فَلا نُقِيمُ لَهُمْ أي: لأولئك الموصوفين بحبوط

<<  <  ج: ص:  >  >>