للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليكم، فالباء تتعلق بيصلون، أو: بنجعل لكما سلطاناً، أي: تسلطاً بآياتنا، أو: بمحذوف، أي: اذهبا بآياتنا، أو: هو بيان لغالبون، أي: أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ، أي: المنصورون.

الإشارة: إذا اجتمع في زمانٍ نبيان، أو: وليان، لا تجدهما إلا متخالفين في القوة والليونة، أو في السكر والصحو، فكان مُوسَى في غاية القوة، وأخوه في غاية الليونة، وكان موسى عليه السلام في أول الرسالة غالباً عليه الجذب، وأخوه غالباً عليه الصحو، فلذلك استعان به. قال الورتجبي: افهم أن مقام الفصاحة هو مقام الصحو والتمكين، الذي يقدر صاحبه أن يخبر عن الحق [وأسراره، بعبارة لا تكون بشيعة] «١» في موازين العلم. وهذا حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «أن أفصح العرب» «٢» ، و «بُعثتُ بجوامع الكلم» «٣» . وهذه قدرة قادرية اتصف بها العارف المتمكن، الذي بلغ مشاهدة الخاص، ومخاطبة الخاص، وكان موسى عليه السلام في محل السكر في ذلك الوقت، ولم يطق أن يعبر عن حاله كما كان لأن كلامه، لو خرج على وزان حاله، يكون على نعوت الشطح، عظيماً في آذان الخلق، وكلام السكران ربما يفتتن به الخلق، لذلك سأل مقام الصحو والتمكين بقوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي لأن كلامه من بحر المكافحة والمواجهة الخاصة، التي كان مخصوصاً بها عن أخيه. هـ.

ثم ذكر عناد فرعون وتجبره، قال:

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٦ الى ٣٩]

فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩)

يقول الحق جلّ جلاله: فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا معجزاتنا التسع بَيِّناتٍ واضحات قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً سحر تعمله أنت، ثم تفتريه على الله، أو: سحر موصوف بالافتراء، كسائر أنواع


(١) عبارة الورتجبي [وأسراره بعباده لا يكون شفيعة] .
(٢) قال فى اللآلئ: معناه صحيح، ولكن لا أصل له. انظر: كشف الخفاء (١/ ٢٣٢، ح ٦٠٩) .
(٣) بعض حديث أخرجه البخاري فى (الجهاد، باب قول النبي/ صلى الله عليه وسلم: نصرت بالرعب مسيرة شهر، ح ٢٩٧٧) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>