قال القشيري: كان ابن عطاء يُفضل الغنى على الفقر، فدعا عليه الجنيد فأصيب عقله ثلاثين سنة، فلما رجع إليه عقله قال: إنما أصابني ما أصابني بدعاء الجنيد. وتكلم يحيى بن معاذ، ففضل الغنى على الفقر، فأعطاه بعض الأغنياء ثلاثين ألف درهم، فدعا بعض المشايخ عليه، فقال: لا بارك الله له فيها، فخرج عليه اللص فنهبه إياها.
هـ. وحكي عن أبي يزيد البسطامي: أنه قال: أًسري بروحي، فرأيت كأني واقف بين يدي الله، فسمعت قائلاً يقول: يا أبا يزيد، إن أردت القرب منا فأتنا بما ليس عندنا، فقلت: يا مولاى وأي شيىء ليس عندك، ولك خزائن السماوات والأرض؟ فسمعت: يا أبا يزيد، ليس عندي ذل ولا فقر، فمن أتاني بهما بلّغته. هـ.
وقال في الإحياء: الفقر المستعاذ منه: فقر المضطر، والمسئول هو: الاعتراف بالمسكنة والذلة والافتقار إلى الله عزَّ وجَلَّ. هـ. قلت: والأحسن أن المستعاذ منه هو: فقر القلوب من اليقين، فيسكنها الجزع والهلع، والفقر المسئول هو: التخفيف من الشواغل والعلائق، والله تعالى أعلم.
وقد تكلم القشيري هنا على أخذ الزكاة وتركها، فقال: من أهل المعرفة من رأى أنَّ أَخذَ الزكاة المفروضة أَولى، قالوا: لأن الله- سبحانه- جعل ذلك مِلكاً للفقير، فهو أحل له من المتطوع به. ومنهم من قال: الزكاة المفروضة لأقوام مستحقة، ورأوا الإيثار على الإخوان أولى، فلم يزاحموا أرباب السهمان، وتحرجوا من أخذ الزكاة، ومنهم من قال: إن ذلك وسخ الأموال، وهو لأصحاب الضرورات. وقالوا: نحن آثرنا الفَقْرَ اختياراً.. فلم يأخذوا الزكاة المفروضة. هـ.
وقوله تعالى:(والعاملين عليها) : هم: المستعدون للمواهب بالتفرغ والتجريد، (والمؤلفة قلوبهم) على حضرة محبوبهم، والجادُّون في فك الرقاب من الجهل والغفلة وهم أهل التذكير، الداعون إلى الله، (والغارمين) أي:
الدافعون أموالهم ومهجهم في رضى محبوبهم، فافتقروا فاستحقوا حظهم من المواهب والأسرار، و (في سبيل الله) أي: والمجاهدون أنفسهم في مرضاة الله، (وابن السبيل) : السائحين في طلب معرفة الله. والله تعالى أعلم.