قلت:(قل أُذُنُ خير) : من قرأ بالإضافة ف (لكم) : متعلق بالاستقرار، أي: هو أذن خير كائن لكم. ومن قرأ بالتنوين ف (خير) : خبر عن «أُذن» خبر ثانٍ، ومن قرأ:«ورحمة» بالرفع فعطف على (أذن خير) ، ومَن قرأ بالجر، فعطف على «خير» ، المجرور.
يقول الحق جلّ جلاله: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ فيه: هُوَ أُذُنٌ يسمع كل ما يقال له ويصدقه حقاً كان أو باطلاً، فإذا حلفنا له أنا لم نقل شيئاً صدقنا. والقائل لهذه المقالة: قيل: هو نَبْتَل بْن الحَارِثِ، وكان من مردة المنافقين. وقيل: عتاب بن قشير، في جماعة، قالوا: محمد أذن سامِِعِه، نقول ما شئنا، ثم نأتيه فيصدقنا فيما نقول. قال البيضاوي: سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع، كما سمي الجاسوس عيناً. هـ.
قال تعالى في الرد عليهم: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ أي: هو لكم سماع خير وحق، فيسمع الخير والحق ويبلغه لكم، أو قل: هو أذنٌ خيرٌ لكم من كونه غير أذن لأن كونه أذناً يقبل معاذيركم ولو كان غير أذن لكذبكم وفضحكم. وفي (الوجيز) أي: مستمع خير وصلاح، لا مستمع شر وفساد.
قال البيضاوي: وهو تصديق لهم بأنه أذن، لكن لا على الوجه الذي ذموا به- يعني من تنقصه بقلة الحزم والانخداع- بل من حيث إنه يسمع الخير ويقبله. ثم فسر ذلك بقوله: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ يصدق بالله وبما له من الكمالات، وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ويصدقهم لما يعلم من خلوصهم، واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق وإيمان الإذعان والأمان، وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ أي: هو رحمة لمن أظهر الإيمان منكم، بحيث يقبله ولا يكشف سره. وفيه تنبيه على أنه ليس يقبل قولكم جهلاً بكم، بل رفقاً بكم وترحماً عليكم. قاله البيضاوي.
وفي ابن عطية: وخص الرحمة بالذين آمنوا إذ هم الذين نجوا بالرسول وفازوا. وفي الوجيز: وهو رحمة لهم، لأنه كان سبب إيمانهم. هـ. فظاهره أن الإيمان الصادر منهم كان حقيقياً، وهو حُسنُ خلافٍ ظاهر. قال البيضاوي: أي: هو رحمة لمن وفقه الله للإيمان منكم.
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ بأي نوع من الإيذاء، لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ موجع بسبب إيذايته.