وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أي: يرجون المغفرة، والحال أنهم مصرون على الذنب، عائدون إلى مثله، غير تائبين منه، أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أي: في الكتاب، وهو التوراة، أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، وهو تكذيب لهم في قولهم: سَيُغْفَرُ لَنا، والمراد: توبيخهم على القطع بالمغفرة مع عدم التوبة، والدلالة على أنه افتراء على الله، وخروج عن ميثاق الكتاب، وَدَرَسُوا ما فِيهِ أي: وقد درسوا ما فيه، وعلموا ما أُخذ عليهم فيه من المواثيق، ثم تجرأوا على الله، وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ مما يأخذ هؤلاء من العرض الفاني. أَفَلا يَعْقِلُونَ «١» فيعلموا ذلك، ولا يستبدلوا الأدنى الحقير المؤدي إلى العقاب بالنعيم الكبير المخلد في دار الثواب، ومَن قرأ بالخطاب فهو لهم، من باب التلوين في الكلام.
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ أي: يتمسكون بالتوراة، وَأَقامُوا الصَّلاةَ المفروضة عليهم، إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ منهم. وهذا فيمن مات قبل ظهور الإسلام، أو: والذين يمسكون بالقرآن، وَأَقامُوا الصَّلاةَ مع المسلمين، إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.
الإشارة: تفريق النسب في البلدان، إن كان في الذل والهوان، فهو من شؤم المخالفة والعصيان، وإن كان مع العز وحفظ الحرمة، فقد يكون لقصد الخير والبركة، أراد الله أن يُنمي تلك البلاد، بنقل ذلك إليها، كأولاد الصالحين والعلماء وأهل البيت. ويؤخذ من قوله: وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، أن العبد مأمور بالرجوع إلى الله في السراء والضراء، في السراء بالحمد والشكر، وفي الضراء بالتسليم والصبر.
ويؤخذ من مفهوم قوله: وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ، أن من عقد التوبة وحل عقدة الإصرار غفر له ما مضى من الأوزار. وفي قوله: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ ... الآية، تحذير لعلماء السوء. وقوله: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ ... الآية، أي: والذين يمسكون بظاهر الكتاب وأقاموا صلاة الجوارح، إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ مع عامة أهل اليمين، والذين يمسكون بباطن الكتاب وأقاموا صلاة القلوب- التي هي العكوف في الحضرة- حضرة الغيوب- إِنا لا نُضِيعُ أجرَ المصلحين لقلوبهم، وهو شهود رب العالمين مع المقربين، في حضرة الأنبياء والمرسلين، جعلنا الله منهم وفي حزبهم، آمين.
ولمّا ذكر من تمسك بالكتاب طوعا، ذكر من تمسك به كرها من أسلاف اليهود، فقال:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧١]]
وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)
(١) قرأ نافع وابن عامر وحفص وأبو جعفر ويعقوب «تعقلون» بالخطاب، وقرأ الباقون بالغيب. انظر الإتحاف (٢/ ٦٨) .