بالاقتداء بها، حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا أي: تداركوا وتلاحقوا، فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ دخولاً أو منزلة، وهم الأتباع السفلة، لِأُولاهُمْ وهم المتبوعون الرؤساء- أي: قالت لأجلهم لأن الخطاب مع الله لا معهم، قالوا:
رَبَّنا هؤُلاءِ الرؤساء أَضَلُّونا حيث سنُّوا لنا الضلال فاقتدينا بهم، فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً أي: مضاعفاً مِنَ النَّارِ لأنهم ضلوا وأضلوا. قالَ تعالى: لِكُلٍّ واحد منكم ضِعْفٌ أي: عذابًا مضعفًا، أما القادة فلكفرهم وتضليلهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم، وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما لكم، أو ما لكل فريق منكم.
وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ أي: المتبوعون للأتباع: فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ في الإيمان والتقوى تُوجب أن يكون عذابنا أشد من عذابكم، حتى يتضاعف علينا العذاب دونكم فإنا وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب، فَذُوقُوا أي: باشروا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ هو من قول القادة، أو من قول الله- تعالى- لجميعهم.
الإشارة: إذا قامت القيامة تحققت الحقائق، وتميزت الطرائق، للخاص والعام، فيرتفع المقربون في أعلى عليين، ويبقى أهل اليمين في أسفل منازل أهل الجنة مع عوام المسلمين، فيتعلق عوامهم بخواصهم، فيقولون لهم:
أنتم رددتمونا عن صحبة هؤلاء، وأنتم خذلتمونا عنهم، ثم يقولون: ربنا هؤلاء أضلونا عن صحبة هؤلاء المقربين، فآتهم حجابًا ضعفًا مما لنا، قال: لكل ضِعف من الحجاب، هم بتضليلهم لكم عن صحبتهم، وأنتم بتقليدكم لهم، ولكن لا تعلمون ما أعددت للمقربين حين صبروا على جفاكم، وتحملوا مشاق طاعتي ومعرفتي لأن كل آية في الكفار تجر ذيلها على أهل الغفلة من المؤمنين. والله تعالى أعلم.
ثم حرّم على الكفار دخول الجنة، فقال:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
قلت: (سَمّ الخياط) : عين الإبره، وفي السين: الفتح والكسر والضم، والخياط: ما يخاط به، على وزن حِزام، والتنوين في (غواشٍ) : للعوض عن الياء، عند سيبويه، وللصرف عند غيره.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عن: الإيمان بها، لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ لأدعيتهم وأعمالهم فلا تقبل، أو: لا تفتح لأرواحهم إذا ماتوا، بل تغلق دونها إذا وصلت بها