للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَمَّا جاءَهُمْ أي: اليهود، القرآن مصدقاً لِما مَعَهُمْ من التوراة، أي:

موافقاً له وشاهداً له بالصحة، وقد كانوا قبل ظهوره يستنصرون على أعدائهم بالنبيّ الذي جاء به، فيقولون: اللهم انصرنا عليهم بالنبيّ المبعوث في آخر الزمان، الذي نجد نعته في التوراة، وكانوا يقولون لأعدائهم من المشركين:

(قد أظلَّ زمانُ نبيّ يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وإرَم) ، فلما ظهر وعرفوه كفروا به فَلَعْنَةُ اللَّهِ عليهم، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم لُعنوا لكفرهم، فاللام في الْكافِرِينَ للعهد، وهم كفار اليهود، أو للجنس، فتكون اللعنة عامة لكل كافر، ويدخلون فيها دخولا أولياء، والله تعالى أعلم.

الإشارة: ترى كثيراً من الناس إذا ذكر لهم الأولياء المتقدمون أقروهم وصدقوهم، وإذا ذكر لهم أولياء أهل زمانهم أنكروهم وجحدوهم، مع كونهم يستنصرون بأهل زمانهم في الجملة. فهذه نزعة يهودية، آمنوا ببعض وكفروا ببعض.

والناس في إثبات الخصوصية ونفيها على ثلاثة أقسام: قسم أثبتوها للمتقدمين، ونفوها عن المتأخرين، وهم أقبح العوام، وقسم أقروها قديماً وحديثاً، وقالوا: إنهم أخفياء في زمانهم، فحرمهم الله بركتهم، وقوم أقروا الخصوصية في أهل زمانهم، وعرفوهم وظفروا بهم وعظموهم، وهم السعداء الذين أراد الله أن يوصلهم إليه ويقربهم إلى حضرته.

وفي الحكم: «سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه» . وبالله التوفيق.

ثم أشار الحق تعالى إلى تسفيه رأى اليهود حيث استبدلوا الإيمان بالكفر، والربح بالخسران، فقال:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٠ الى ٩١]

بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)

قلت: بئس ونعم: فعلان جامدان مختصان بالدخول على ما يدل على العموم، إما نكرة، فتنصب على التمييز المفسر للضمير الفاعل، أو معرف بأل الجنسية، فيرتفع على الفاعلية، تقول: بئس رجلاً زيدٌ، وبئس الرجل زيد، ويذكر بعد ذلك المخصوص: إما خبر عن مبتدأ مضمر، أو مبتدأ والخبر مقدم. وإنما اخْتُصَّتَا بالدخول على ما يدل على العموم لأن (نعم) مستوفية لجميع المدح، و (بئس) مستوفية لجميع الذم. فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فكأنك قلت: استحق زيدٌ المدحَ الذي يكون في سائر جنسه، وكذلك تقول في بئس.

<<  <  ج: ص:  >  >>