ربهم ورحمته في كل حال. والله أعلم. والحاصل: أنهم مع كونهم يخشون ربهم ويؤمنون بآياته، ولا يشركون به شيئاً، ويودون طاعته، يخافون عدم قبوله لهم عند الرجوع إليه، ولقائهم له لأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأحكامه لا تعلل، ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده. هـ.
قوله:«ومن استغرق فيه لم يقف مع وعده» أي: لأنه قد يرتب ذلك على شروط أخفاها عنه، ليدوم خوفه واضطراره، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره، وليس خوف العارف من السابقة ولا من الخاتمة لأنه شغله استغراقه في الحق والغيبة فيه عن الشعور بالسابقة واللاحقة، إنما خوفه من الإبعاد بعد التقريب، أو الافتراق بعد الجمع، وهذا أيضاً قبل التمكين، وإلا فالكريم إذا أعطى لا يرجع. والله تعالى أعلم.
قلت:«بل» : إضراب عما قبله من أوصاف المؤمنين، وانتقال إلى أضدادهم من الكافرين، والضمير للكفرة، و «حتى» : ابتدائية مختصة بالدخول على الجُمل.
يقول الحق جلّ جلاله: بَلْ قُلُوبُهُمْ أي: الكفرة المستدرج بهم، وهم لا يشعرون، فِي غَمْرَةٍ في غفلة غامرة لها، مما عليه هؤلاء الموصوفون بما تقدم من الخشية وما بعده، أو مما بيَّن في القرآن من أن لديه كتاباً ينطق بالحق، ويُظهر لهم أعمالهم السيئة على رؤوس الأشهاد، فيُفضحون بها، كما ينبئ عنه ما بعده من قوله:
قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ ... وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي: ولهم أعمال خبيثة كثيرة، متجاوزة لذلك الذي وصف به المؤمنون، من الأعمال الصالحات، وهي فنون كفرهم ومعاصيهم، هُمْ لَها عامِلُونَ، وعليها مقيمون، مستمرون عليها، حتى يأخذهم الله بالعذاب، كما قال: حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ أي: منعميهم بِالْعَذابِ أي: عذاب الدنيا، وهو القحط سبع سنين، حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«اللهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، واجعلها عَلَيْهمَ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ»«١» ، فقحطوا حتى أكلوا الكلاب والجيف والعظام. أو: القتل يوم
(١) أخرجه البخاري فى (الأذان، باب يهوى بالتكبير حين يسجد) ، ومسلم فى (المساجد، باب استحباب القنوت فى جميع الصلاة) ، عن أبى هريرة رضى الله عنه.