ثم شرع فى قصص موسى عليه السلام، فقال:
[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٣]]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣)
يقول الحق جلّ جلاله: ثُمَّ بَعَثْنا من بعد الرسل المتقدمين مُوسى بن عمران بِآياتِنا:
بمعجزاتنا الدالة على صدقه، إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها أي: طغوا بسببها، وزادوا عتوًا على عتوهم، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ كيف غرقوا عن آخرهم، وأكلهم البحر.
الإشارة: إذا أراد الله- تعالى- أن يُهلك قومًا بعث إليهم من يُذكرهم، فإذا زادوا في العتو والطغيان عاجلهم بالعقوبة. ذكر الشعراني: أن مدينة بالمشرق صنعوا وليمة يتنزهون فيها، فخرجوا إلى بستان، فلما صنعوا الطعام دخل عليهم فقير، فقال: أعطوني، فأعطوه، ثم قال: أعطوني فزادوه، ثم قال: أعطوني، فجروه حتى أخرجوه، فأرسل عليهم مَن أخرجهم من تلك المدينة وخربها، فهي خربة إلى اليوم. سبحان المدبر الحكيم الواحد القهار!.
ثم ذكر دعوة موسى إلى فرعون، وما كان من أمره معه، فقال:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٥]
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥)
قلت: من قرأ: «عليّ» بشد الياء، فحقيق: مبتدأ، و «عليّ» : متعلق به، و (ألاَّ أقول) : خبره، أي: حقيق عَلَيَّ قولُ الحق. ومن قرأ: (عَلَى) بالتخفيف، فحقيق: صفة لرسول، و «على» : حرف جر، و (ألاَّ أقول) : مجرور، أي: إني رسول حقيق على قول الحق، وعدَّاه بعلى لتضمنه معنى حريص، أو تكون (على) بمعنى الباء أي: حقيق بقول الحق، وقد يبقى على أصله لأمن الالتباس والمعنى: حقيق علي قول الحق أن أكون أنا قائله، لا يرضى إلا مثله ناطقًا به. انظر البيضاوي.
يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، حَقِيقٌ واجب عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ لأنني معصوم من النطق بغيره، فإن كذَّبتني فقد جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي:
بمعجزة واضحة، تدل على صدقي، وهي العصا. فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي: فخل سبيلهم، حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة: التي هي وطنُ آبائهم، وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة وذلك أنه لما تُوفِّي يوسف عليه السلام غلب عليهم فرعونُ واستعبدهم حتى أنقذهم الله على يد موسى، وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف مصر واليوم الذي دخله موسى رسولاً إلى فرعون: أربعمائة عام.