قلت:(تأمننا) : اجتمع نونان، فيجوز الإدغام، وبه قرأ أبو جعفر، وقرأ الجماعة بالإشمام. وقوله:(يرتع ويلعب) : جواب الأمر، فمن قرأ بكسر العين فجزمه بحذف الياء، وهو من رعي الإبل، ومن قرأ بالإسكان فهو من الرتع، وهي الإقامة فى الخصب والتنعم، والتاء على هذا أصلية. ووزن الفعل: يفعل، ووزنه على الأول يفتعل، قال ابن عطية: فيرتع على قراءة نافع من رعي الإبل، أي: يتدرب في رعي الإبل وحفظ المال. قال أبو علي: وقراءة ابن كثير: (نرتع) بالنون (ويلعب) بالياء، فنزعها حسن لإسناد النظر في المال والرعاية إليهم، واللعب إلى يوسف لصباه، وقرأ أبو عمر وابن عامر:(نرتع ونلعب) بالنون فيهما، وإسكان العين والباء، من الرتوع، وهو: الإقامة في الخصب والمرعي في أكل وشرب، وقرأ عاصم والأخَوان:(يرتع ويلعب) بإسناد ذلك كله إلى يوسف. هـ. قلت:
وكذا قرأ نافع، غير أنه يكسر العين وهم يسكنون.
(ونحن عصبة) : حال، والرابط الواو، والعصبة: الجماعة من العشرة إلى فوق.
يقول الحق جلّ جلاله: قال إخوة يوسف لأبيهم: يا أَبانا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ أي: لم تخافنا عليه؟ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ نشفق عليه، ونريد له الخير. أرادوا أن يستنزلوه عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم. قلت: قد نصحوه في الحقيقة حيث تسببوا في ملكه وعزه. رُوي أنهم لما قالوا له:(مالك....) الخ، اهتزت أركانه، واصفر لونه، واصطكت أسنانه، وتحركت جوانبه، كأنه علم بما في قلوبهم بالفراسة. ثم قالوا:
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ: يتسع في أكل الفواكه ونحوها. أو يتعلم الرعاية، وَيَلْعَبْ بالاستباق والانتضال، وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ أن يناله مكروه.
قالَ يعقوب: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ لشدة مفارقته عليَّ، وقلة صبري عنه، وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ: لاشتغالكم بالرتع واللعب، أو لقلة اهتمامكم به، وإنما خاف عليه من الذيب