وذلك الإعلام بأنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ- عليه الصلاة والسلام- كذلك. قال البيضاوي: ولا تكرار فإن قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ: إخبار بثبوت البراءة، وهذا إخبار بوجوب الإعلام بذلك، ولذلك علقه بالناس ولم يخص بالمعاهدين. هـ. فَإِنْ تُبْتُمْ يا معشر الكفار ورجعتم عن الشرك، فَهُوَ أي: الرجوع خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أي: أعرضتم عن التوبة وأصررتم على الكفر فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ لا تفوتونه طلباً، ولا تعجزونه هرباً في الدنيا، وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ في الآخرة.
ولما أمر بنقض عهود الناكثين استثنى من لم ينقض فقال: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ أي: لكن الذين عاهدتم مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وهم بنو ضمره وبنو كنانة، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً من شروط العهد، ولم ينكثوا، ولم يقتلوا منكم، ولم يضروكم قط، وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً أي: لم يعاونوا عليكم أحداً من أعدائكم، فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى تمام مُدَّتِهِمْ، وكانت بقيت لهم من عهدهم تسعة أشهر. ولا تجروهم مجرى الناكثين إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وهو تعليل وتنبيه على أن إتمام عهدهم من باب التقوى. قاله البيضاوي.
الإشارة: من أعظم شؤم الشرك: إن الله ورسوله تبرآ من أهله مرتين: خاصة وعامة، فيجب على العبد التخلص منه خفياً أو جلياً، ويستعين على ذلك بصحبة أهل التوحيد الخاص، حتى يُخلصوه من أنواع الشرك كلها، فإن صدر منه شيء من ذلك فليبادر بالتوبة، فإن تولى وأصر على شركه، كان ذلك سبب هوانه وخزيه، وبالله التوفيق.
ثم أمر بجهاد المشركين، بعد الأربعة الأشهر التي أمهلهم فيها، فقال:
يقول الحق جلّ جلاله: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ أي: انقضى الأشهر الْحُرُمُ وهي الأربعة التي امهلهم فيها، فمن قال: إنها شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فهي الحرم المعروفة، زاد فيها شوال، ونقص رجب، وسميت حرماً تغليباً للأكثر، ومن قال: إنها ذو الحجة إلى ربيع الثاني، فسميت حرماً لحرمتها ومنع القتال فيها حينئذٍ. وغلط من قال: إنها الأشهر الحرم المعلومة لإخلاله بنظم الكلام ومخالفته للإجماع لأنه يقتضي بقاء حرمة الأشهر الحرم. انظر البيضاوي.