للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الحق جلّ جلاله: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ أي: لم يكن أبا رجل منكم حقيقة، حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح، والمراد: من رجالكم البالغين، وأما أولاده القاسم، والطيب، والطاهر، فماتوا قبل أن يكونوا رجالاً، وأما الحسن والحسين، فأحفاد، لا أولاد. وَلكِنْ كان رَسُولَ اللَّهِ، وكل رسول أبو أمته، فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم، ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه، لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء. وزيد واحد من رجالكم، الذين ليسوا بأولاد حقيقة، فكان حكمُه حكمهم. والتبني من باب الاختصاص والتقريب، لا غير. وَكان أيضا صلى الله عليه وسلم خاتَمَ النَّبِيِّينَ أي: آخرهم الذي ختمهم، أو: ختموا به على قراءة عاصم. بفتح التاء، بمعنى: الطابع، كأنه طبع وختم على مقامات النبوة، كما يختم على الكتاب لئلا يلحقه شيء. فلا نبي بعده. وعيسى ممّن نبأ قبله، وحين ينزل ينزل عاملا على شريعته صلى الله عليه وسلم، كأنه بعض أمته. ومَن قرأ بكسر التاء، فمعناه: فاعل الختم، كما قال- عليه الصلاة والسلام-: «أنا خاتم النبيين فلا نبي بعدي» «١» . ويصح أن يكون بمعنى الطابع أيضاً إذ فيه لغات خاتِم- بالفتح والكسر-، وخاتام، وخَيْتام. وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً، فيعلم مَن يليق بأن يختم به النبوة، وكيف ينبغي شأنه.

الإشارة: كان صلى الله عليه وسلم أبا الأرواح حقيقة إذ الوجود كله ممتد من نوره، وأبا الأشباح باعتبار أنه السابق نوره.

فأول ما ظهر نوره- عليه الصلاة والسلام-، ومنه امتدت الكائنات، فهو بذرة الوجود. وسيأتي في قوله: فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ «٢» تتميم ذلك إن شاء الله. ولم يكن أباً باعتبار تولُّد الصلب، وهو الذي نفاه الله تعالى عنه.

ثم حضّ على الذكر إذ هو سبب التهذيب والتأديب، فيزجر صاحبه عن الخوض فيما لا يعنى، فقال:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤١ الى ٤٤]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤)


(١) أخرجه مطولا أحمد فى المسند (٥/ ٢٧٨) ، وعزاه السيوطي فى الدر (٥/ ٣٨٦) لابن مردويه، عن ثوبان. وجاء الجزء الأول «أنا خاتم النبيين» في حديث «مثلى ومثل الأنبياء من قبلى..» الحديث، أخرج البخاري فى (المناقب، باب خاتم النبيين، ح ٣٥٣٥) ومسلم فى (الفضائل، باب ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ٤/ ١٧٩١) من حديث سيدنا أبى هريرة رضي الله عنه.
(٢) الآية ٨١ من سورة الزخرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>