للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أمر بالرجوع إليه عند الشدائد، فقال:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٤]

قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ أي: يُخلصكم مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أي: من شدائدهما، استعير الظلمة للشدة لمشاركتهما في الهول، فقيل لليوم الشديد: يوم مظلم، أو: من الخسف في البر والغرق في البحر، حال كونكم تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً أي: جهرًا وسرًا، قائلين: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ «١» الظلمة، أي:

الشدة، لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ بإقرارنا بوحدانيتك، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ أي: غم سواها، ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ أي: تعودون إلى الشرك ولا تُوفون بالعهد، وهذا شأن النفس اللئيمة في وقت الشدة ترجع إلى الحق وتوحده، وفي وقت السعة تنساه وتشرك معه، كما قال تعالى: وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ «٢» .

الإشارة: ظلمات البر هو ما يخوض القلب ويظلمه من أجل ما يدخل عليه من حس الظاهر، الذي هو بر الشريعة، وظلمات البحر هو ما يدهش الروح ويحيرها من أجل ما يدهمها من علم الحقائق، عند الاستشراف عليها، أو ما يشكل عليها في علم التوحيد، فإذا رجع إلى الله فيهما، وتمسك بشيخ كامل في علم الحقائق- أنجاه الله منهما، فإذا شكر الله وأفرد النعمة إليه دامت نجاته، وإن التفت إلى غيره خيف عليه العوُد إلى ما كان عليه. وبالله التوفيق.

ثم هدد أهل الشرك، أو: هم مع غيرهم، فقال:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦٥ الى ٦٧]

قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧)

يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد: هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ، كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، كما أغرق فرعون وخسف بقارون، وقيل: من فوقكم:


(١) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (أنجيتنا) بالياء والتاء بعد الجيم من غير ألف.. وقرأ الباقون (أنجانا) بألف بعد الجيم من غير ياء ولا تاء. انظر الإتحاف (٢/ ١٦) .
(٢) الآية ٣٣ من سورة الروم.

<<  <  ج: ص:  >  >>