للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقسم: سبقت لهم من الله الهداية، وحفتهم الرعاية، فصدقوا وأقروا، ولكنهم ضعفوا عن الدخول، ولم تتعلق همتهم بالوصول، فبقوا في ضعفاء المسلمين لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ....

وقسم: أنكروا وأظهروا وجحدوا وكفروا، فتجروا وخسروا، «مَنْ عادى لي وليّاً فقد آذنْتُهُ بالْحَربِ» .

وقسم رابع: هم مذبذبون بين ذلك إذا لقوا أهل الخصوصية قالوا: آمنا وصدقنا فأنتم على الجادة، وإذا رجعوا إلى أهل التمرد من المنكرين- طعنوا وجحدوا، وقالوا: إنما كنا بهم مستهزئين، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ بما يظهر لهم من صور الكرامات والاستدراجات، ويمدهم في تعاطي العوائد والشهوات، وطلب العلو والرئاسات، متحيرين في مهامه الخواطر والغفلات، أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ عن طريق الخصوص من أهل الوصول، بِالْهُدى الذي كان بيدهم، لو حصل لهم التصديق والدخول، فما ربحوا في تجارتهم، وما كانوا مهتدين إلى بلوغ المأمول. قال بعض العارفين: (التصديق بطريقتنا ولاية، والدخول فيها عناية، والانتقاد عليها جناية) . وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.

ثم ضرب مثل المنافقين، زيادة فى توبيخهم وتقبيح شأنهم، فقال:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٧ الى ١٨]

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)

قلت: (استوقد) يحتمل أن تكون للطلب، أو زائدة بمعنى أوقد، و (لما) شرطية، وذَهَبَ جواب، وإذا كان لفظ الموصول مفرداً واقعاً على جماعة، يصح في الضمير مراعاة لفظه فيفرد، ومعناه فيجمع، فأفرد في الآية أولاً، وجمع ثانياً. ويقال: أضاء يضئ إضاءة، وضَاء يضُوء ضَوْءاً.

يقول الحق جلّ جلاله: مثل هؤلاء المنافقين من اليهود كَمَثَلِ رجل في ظلمة، تائه في الطريق، فاستوقد ناراً ليبصر طريق القصد فَلَمَّا اشتعلت وأَضاءَتْ ما حَوْلَهُ فأبصر الطريق، وظهرت له معالم التحقيق، أطفأ الله تلك النار وأذهب نورها، ولم يبق إلا جمرها وحرّها. كذلك اليهود كانوا في ظلمة الكفر والمعاصي ينتظرون ظهور نور النبي صلى الله عليه وسلّم ويطلبونه، فلما قدم عليهم، وأشرقت أنواره بين أيديهم كفروا به، فأذهب الله عنهم نوره، وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ الكفر والشك والنفاق، لاَّ يُبْصِرُونَ ولا يهتدون، صُمٌّ عن سماع الحق،

<<  <  ج: ص:  >  >>