للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نخرج عن ديننا إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بهم، ومستسخرون بشأنهم. نزلت في عبد الله بن أُبَيّ- رأس المنافقين- كان إذا لقي سعداً قال: نعم الدين دين محمد، وإذا خلا برؤساء قومه من أهل الكفر، قال: شدوا أيديكم على دين آبائكم.

وخرج ذات يوم مع أصحابه فاستقبلهم نفر من الصحابة- رضوان الله عليهم- فقال عبدُ الله لأصحابه: انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبى بكر رضى الله عنه فقال: مرحباً بالصدِّيق سيد بني تيم، وشيخ الإسلام، وثانى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم أخذ بيد عمر، فقال: مرحباً بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق، القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم أخذ بيد عَلِيّ فقال: مرحباً بابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخِتِنِه «١» ، سيد بني هاشم، ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال على رضى الله عنه: يا عبد الله، اتق الله ولا تنافق، فإن المنافقين شرُّ خليقة الله، فقال عبد الله: مهلاً يا أبا الحسن، أنى تقول هذا؟ والله إن إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم، فنزلت الآية «٢» .

ثم ردّ الله تعالى عليهم فقال: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي: يفعل بهم فعل المستهزئ بأن يفتح لهم باباً إلى الجنة وهم في النار، ويطلع المؤمنين عليهم، فيقول لهم: ادخلوا الجنة، فإذا جاءوا يستبقون إليها وطمعوا في الدخول، سُدَّتْ عليهم ورجعوا إلى النار، فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ الآية. وَيَمُدُّهُمْ أي: يمهلهم فِي كفرهم، وطُغْيانِهِمْ يتحيرون إلى يوم يبعثون لأنهم اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى أي: استبدلوا بها رأس مالهم، فضلاً عن الربح، إذ الإيمان رأس المال، وأعمال الطاعات ربح، فإذا ذهب الرأس فلا ربح ولذلك قال تعالى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، بل خسرت صفقتهم، وَما كانُوا مُهْتَدِينَ إلى أسباب الربح أبداً، لاستبدالهم الهدى- التي هي رأس المال- بالضلالة- التي هي سبب الخسران. وبالله التوفيق.

وهاهنا استعارات وبلاغات يطول سردها، إذ مرادنا تربية اليقين بكلام رب العالمين.

الإشارة: الناس في طريق الخصوص على أربعة أقسام:

قسم: سبقت لهم من الله العناية، وهَبَّتْ عليهم ريحُ الهداية، فصدقوا ودخلوا فيها، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، فَتَجِرُوا فيه وربحوا، فعوّضهم الله تعالى جنة المعارف، يتبوءون منها حيث شاءوا، فإذا قدموا عليه أدخلهم جنة الزخارف، يسرحون فيها حيث شاءوا، وأتحفهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم.


(١) ختن الرجل: المتزوج بابنته أو بأخته.
(٢) سند هذا الأثر واه جدا، انظر: الفتح السماوي فى تخريج أحاديث البيضاوي، وتنزيه الشريعة المرفوعة. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>