للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذم من أعرض عن دلائل توحيده، فقال:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤ الى ٥]

وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥)

قلت: (مِن) الأولى: مزيدة للاستغراق، والثانية للتبعيض.

يقول الحق جلّ جلاله: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ دالّة على توحيد الله وكمال صفاته، إلا أعرَضوا عنها، أي:

الكفار، أو: ما تأتيهم معجزة من المعجزات الدالة على قدرة الله وصدق رسوله، أو: ما تأتيهم آية من آيات القرآن تدل على وحدانيته وكمال ذاته، إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ تاركين للنظر فيها، غير ملتفتين إليها.

فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ وهو القرآن لَمَّا جاءَهُمْ، وهو كالدليل لِما قبله، لأنهم لمّا كذبوا بالقرآن- وهو أعظم الآيات- فكيف لا يُعرضون عن غيره من الآيات؟ ثم هدَّدهم بقوله: فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ أي: أخبار ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي: سيظهر لهم، عند نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة، ما كانوا يستهزئون به من البعث والحساب، أو عند ظهور الإسلام وارتفاعه.

الإشارة: مَن سبق له الخُذلان لا تنفعه الأدلة وتواتُر البرهان، ولا تزيده ظهور المعجزات أو الكرامات إلا التحاسد وظهور العداوات، ولا يزيده الدعاء إلى الله والتناد، إلاَّ الإعراض عنه والبعاد، نعود بالله من الشقاء وسوء القضاء.

ثم أمر أهل الإنكار بالنظر والاعتبار، فقال:

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٦]]

أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦)

قلت: (كم) : خبرية، مفعول «أهلكنا» ، أي: كثيرًا أهلكنا من القرون، والقرن مدة من الزمان تهلك أشياخُها وتقوم أطفالُها، واخُتلف في حدِّها، قيل: مائة، وقيل: سبعون، وقيل: ثمانون، وقيل: القرن: أهل زمان فيه نبي أو فائق في العلم، قلَّت المدةُ أو كثُرَت، مشتق من قرين الرجل. والمطر المِدرار هو الغزير، وهي من أمثلة المبالغة، كمِذكار وميناث.

يقول الحق جلّ جلاله: أَلَمْ يَرَوْا ببصائرهم رؤيةَ اعتبار، كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من أهل عصر مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أي: جعلناهم متمكّنين فيها بالقرار والسُّكنَى والطمأنينة فيها، أو أعطيناهم من القوة والآلات

<<  <  ج: ص:  >  >>