كل إنسان، فيُفَضِّل من شاء بما شاء عن علم وبيان، ومناسبة الآية حينئِذ لما قبلها: أن تجنب الكبائر فضل من الله ونعمة، وهو أفضل ممن يقع فيها، لكن لا ينبغي تمني ذلك من غير عمل، ولكن يسأل الله من فضلِهِ حتى يُلحقه بأهل العصمة. وبالله التوفيق.
الإشارة: قد وقع التفضيل في مقامات الأولياء كالأنبياء، لكن لا ينبغي تعيين الفاضل من المفضول، لِما يؤدي إليه من التنقيص فيؤدي إلى الغيبة، والتفضيل يقع بزيادة اليقين وصحة التمكين، والترقي في أنوار التوحيد وأسرار التفريد. ويكون أيضًا بهداية الخلق على يده، وظهور إحسانه ورفده، فإذا رأى العبدُ أنه لم يبلغ إلى مقام غيره فلا يتمنى ذلك المقام بعينه، فقد يكون مقامه عند الله في علمه أعظم، وقد يكون أدون، فيُسيء الأدب، فالخير كله في العبودية والرضى بأحكام الربوبية، فللأقوياء نصيب مما اكتسبوا بالقوة والمجاهدة التي خلق الله فيهم، حكمةً وفضلاً، وللضعفاء نصيب مما اكتسبوا قسمة وعدلاً، ولكن يسأل الله من فضله العظيم، فإن الله بكل شيء عليم، فقد يُعطى بلا سبب ويُبَلِّغ بلا تعب.
وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«سَلُوا الله مِن فَضلِهِ فَإنَّ اللهَ يُحِبُ أن يُسألَ» . وفي حديث أخر:«مَن لَم يَسألِ اللهَ يَغضَب عَلَيهِ» . وقال الورتجبي: أمر بالسؤال ونهى عن التمني لأن السؤال افتقار، والتمني، اختيار. هـ. والله تعالى أعلم.
ثم تكلم على ميراث الحليف على ما كان في أول الإسلام، فقال:
قلت: التنوين في «كل» : للعوض، و «مما ترك» بيان للمعوض منه، أي: ولكل مال مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا موالي، أي: ورثة، وهم الذرية والعصبة يرثون من ذلك المال، والوالدان على هذا فاعل، ويحتمل أن يكون مبتدأ والتنوين عوض عن الميت الموروث، أي: ولكل ميت جعلنا ورثة يرثون مما ترك ذلك الميت، وهم الوالدان والأقربون فيوقف على (ترك) ، و (مما) يتعلق بمحذوف، و (الذين) مبتدأ، و (فآتوهم) خبر، دخلت الفاء لما في المبتدأ من العموم.
يقول الحق جلّ جلاله: ولكل ميت جعلنا ورثة يرثون مِمَّا تَرَكَ ذلك الميت، وهم الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ، أو لكل تركة جعلنا لها مَوالِيَ أي: ورثة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ وهم موالي الحِلف، كانوا يتحالفون في الجاهلية على النصرة والمؤازرة، يقول الرجل لآخر: دمي دمك،