يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ فآمنوا بالبعض وكفروا بالبعض، وهم اليهود والنصارى، وقيل: أهل الأهواء والبدع، فيكون إخبارًا بغيب، وفي الحديث إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:«افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: يا رسول الله، وما تلك الواحدة؟ قال: «من كان على ما أنا عليه وأصحابي» .
وقرىء:«فارقوا، أي: تركوا دينهم، وَكانُوا شِيَعاً جمع شيعة، أي: فرقًا متشيعة، كل فرقة تتشيع لمذهبها وتتشيع إمامها، أي: تنتسب إليه. لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أي: أنت بريء منهم، فلست في شيء من السؤال عنهم وعن تصرفهم، أو عن عقابهم، وقيل: هو نهي عن التعرض لهم فيكون منسوخًا بآية السيف، إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ يتولى جزاءهم، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ من التفرق فيعاقبهم عليه.
الإشارة: الافتراق المذموم، إنما هو في الأصول كالتوحيد وسائر العقائد، فقد افترقت المعتزلة وأهل السنة في مسائل منه، فخرج من المعتزلة اثنان وسبعون فرقة، وأهل السنة هي الفرقة الناجية، وأما الاختلاف في الفروع فلا بأس به، بل هو رحمة لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «خلاف أمتي رحمة» ، كاختلاف القراء في الروايات، واختلاف الصوفية في كيفية التربية، فكل ذلك رحمة وتوسعه على الأمة المحمدية، إذ كل من أخذ بمذهب منها فهو سالم، مالم يتبع الرخص. وقال بعضهم: ما دامت الصوفية بخير ما افترقوا، فإذا اصطلحوا فلا خير فيهم. ومعنى ذلك: إنما هو في التناصح والإرشاد والنهي بعضهم لبعض عما لا يليق في طريق السير، فإذا سكت بعضهم عن بعض مداهنةً وحياءً فلا خير فيهم، وأما قلوبهم فلا بد أن تكون متفقة متوددة، لا بغض فيها ولا تحاسد، وإلا لم يكونوا صوفية. والله تعالى أعلم.