قلت:«رُشْداً» : مفعول ثاني لعلمت، أو: علة لأتبعك، أو: مصدر بإضمار فعله، أو: حال من كاف «أَتَّبِعُكَ» ، أو:
على إسقاط الخافض، أي: من الرشد، وفيه لغتان: ضم الراء وسكون الشين، وفتحهما، وهو: إصابة الخير، وخُبْراً: تمييز محول عن الفاعل، أي: لم يحط به خبرك. و «لا أَعْصِي» : عُطِفَ على: «صابِراً» .
يقول الحق جلّ جلاله: ولما اتصل موسى بالخضر- عليهما السلام- استأذنه في صحبته ليتعلم منه، ملاطفة وأدباً وتواضعاً، وكذلك ينبغي لمن يريد التعلم من المشايخ: أن يتأدب ويتواضع معهم. قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً أي: مما علمك الله من العلم الذي يدل على الرشد وإصابة الصواب، لعلي أرشد به في ديني. ولا ينافي كونه نبيًا ذا شريعة أن يتعلم من غيره من أسرار العلوم الخفية إذ لا نهاية لعلمه تعالى، وقد قال له تعالى فيما تقدم: أعلم الناس من يبتغي علم غيره إلى علمه. رُوي أنهما لما التقيا جلسا يتحدثان، فجاءت خُطافة أو عصفور فنقر في البحر نقرة أو نقرتين، فقال الخضر: يا موسى خطر ببالك أنك أعلم أهل الأرض؟ ما علمك وعلمي وعلم الأولين والآخرين في جنب علم الله إلا أقل من الماء الذي حمله هذا العصفور.
ولَمَّا سأله صُحْبَتَهُ قالَ له: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً لأنك رسول مكلف بحفظ ظواهر الشرائع، وأنا أطلعني الله تعالى على أمور خفية، لا تتمالك أن تصبر عنها لمخالفة ظاهرها للشريعة. وفي صحيح البخاري:
«قال له الخضر: يا موسى، إني على علم من علم الله عَلَّمَنِيهِ، لا تعلمه أنت، وأنتَ على علمٍ من علم الله علَّمكَه الله، لا أعلمه»«١» .
ثم علّل عدم صبره بقوله: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً؟ لأني أتولى أموراً خفية لا خُبر لك بها، وصاحب الشريعة لا يُسلم لصاحب الحقيقة العارية من الشريعة، قالَ له موسى عليه السّلام: سَتَجِدُنِي إِنْ
(١) جاء ذلك فى رواية البخاري، التي أخرجها فى (العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أىّ الناس أعلم) ؟ من حديث أبىّ بن كعب. [.....]