يقول الحق جلّ جلاله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، خلاف ما يقوله النصارى، والعرب التي قالت:
الملائكة بنات الله، تعالى عن قولهم عُلواً كبيراً، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ يُشاركه في ألوهيته، كما يقول عبدة الأوثان وغيرهم، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ أي: لو كان معه آلهة، كما يزعمون، لذهب كل واحد منهم بما خلقه واستبد به ليتميز ملكه من ملك الآخر، ووقع بينهم التغالب والتحارب، كما هو الجاري بين الملوك، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ: ولغلب بعضهم على بعض، وارتفع عليه، كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متمايزة وهم متغالبون، وحين لم تروا أثراً لتمايز الممالك والتغالب فاعلموا أنما هو إله واحد.
قال ابن جُزَيّ: وليس هذا البرهان بدليل التمانع، كما فهم ابن عطية وغيره، بل بدليل آخر. وقال في قوله:(لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا) : قال كثير من الناس: إنه دليل التمانع الذي أورده المتكلمون، والظاهر من اللفظ أنه استدلال آخر أصح منه. هـ قال النسفي: ولا يقال: «إذاً» لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، وهو هنا وقع لذهب جزاءً وجواباً، ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل لأن الشرط هنا محذوف، تقديره: لو كان معه آلهة كما يزعمون لذهب.. إلخ، دل عليه:(وما كان معه من إله) ، وهو جواب لمن حاجّه من المشركين. هـ.
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ من الأنداد والأولاد، عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي: السر والعلانية، أو ما ظهر من حس الأكوان، وما غاب فيها وعنها، فمن جرّ «عالم» فبدل من الجلالة، او صفة له، ومن رفعه فخبر عن مضمر، أي: هو عالم. فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ من الأصنام وغيرها، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإنَّ تفرده تعالى بالألوهية والعلم المحيط، موجب لتعاليه عن أن يكون له شريك. والله تعالى أعلم.
الإشارة: ثلاثة إذا تعددت فسد النظام: الإله، والسلطان، والطبيب فلو تعدد الإله لفسد نظام العالم، ولو تعدد الْملك لفسدت الرعية بالهرج والفتن، ولو تعدد الطبيب لفسد العلاج. والطبيب على قسمين: طبيب الأبدان، وطبيب القلوب، وهو شيخ التربية، فإذا تعدد على مريد واحد فسدت تربيته لانقسام محبته واختلاف علاجه، فالمريد، إذا علق قلبه بغير شيخه، لا ينهض نهوض من جمع همته على شيخه، بل لا يجيءُ منه شيء. والله تعالى أعلم.