ولمّا بيّن وبال من أعرض عن أحسن الحديث، بيّن فضله وشرفه، فقال:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨)
قلت: قرآناً: حال مؤكدة من «هذا» على أن مدار التأكيد هو الوصف، كقولك: جاءني زيد رجلاً صالحاً.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ ضَرَبْنا أي: وضحنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ: يحتاج إليه الناظر في أمر دينه، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي: كي يتذكروا به ويتعظوا، حال كونه قُرْآناً عَرَبِيًّا لتفهموا معانيه بسرعة، غَيْرَ ذِي عِوَجٍ: لا اختلاف فيه بوجه من الوجوه، فهو أبلغ من المستقيم، وأخص بالمعاني.
وقيل: المراد بالعوج: الشك. لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ما يضرهم في معادهم ومعاشهم.
الإشارة: قد بين الله في القرآن ما يحتاج إليه المريد في سلوكه وجذبه، وسيره ووصوله، من بيان الشرائع وإظهار الطرائق، وتبيين الحقائق. قال تعالى: مَّا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ «١» لكن لا يغوص على هذا إلا الجهابذة من البحرية الذين غاصوا بأسرارهم في بحر الأحدية، وتغلغلوا في العلوم اللدنية، ومَن لم يبلغ هذا المقام يصحب مَن يبلغه، حتى يوصله إلى ربه، ولا يكون الوصول إلا بلقب مفرد، غير مشترك، كما بيَّن ذلك بقوله تعالى:
[سورة الزمر (٣٩) : الآيات ٢٩ الى ٣١]
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)
قلت: مَثَلًا: مفعول ثان لضرب، ورَجُلًا: مفعول أول، وأُخِّرَ للتشويق إليه، وليصل بما وصف به، وقيل: بدل من «مثلا» ، وفِيهِ: خبر، و «شركاء» : مبتدأ، والجملة: صفة لرجل، و «مثلاً» : تمييز.
يقول الحق جلّ جلاله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا للمشرك والموحد، رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ:
مختلفون متخاصمون عسيرون، وهو المشرك، وَرَجُلًا سَلَماً أي: خالصاً لِرَجُلٍ فرد، ليس لغيره عليه
(١) من الآية ٣٨ من سورة الأنعام.