وقوله تعالى: وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ: إشارة إلى أن امتحانه بالسجن كان لتكميل حقيقته وشريعته، فمن رأى أنه يحمل الطعام فإشارة إلى حمل لواء الشريعة، ومن رأى أنه يعصر خمراً فإشارة إلى تحقيق خمرة الحقيقة، فيكون من أهل مقام الإحسان، ولذلك قال: إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، ثم ذكر نتيجة مقام الإحسان- وهو التوحيد الخاص- فقال: ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. وذكر أن ذلك ناله من باب الكرم لا من باب العمل، فقال: ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ. والله تعالى أعلم.
قلت: الإضافة في (صاحبي السجن) : على معنى (في) كقولك:
يا سَارِقَ الليْلَةَ أَهْل الدَّارِ.
يقول الحق جلّ جلاله: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أي: يا ساكنيه، أو يا صاحبي فيه أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ: متعددون، خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ المتوحّد في الألوهية، الْقَهَّارُ: الغالب على أمره، لا يقاومه غيره، ما تَعْبُدُونَ أنتم ومن على دينكم من أهل مصر، مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ أي: ما تعبدون إلا مسميات أسماء من الحجارة والخشب، سميتموها آلهة من غير حجة تدل على استحقاقها للعبادة. والمعنى: سميتم آلهة ما لا يستحق الألوهية، ثم عبدتموها. ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها أي: بعبادتها مِنْ سُلْطانٍ: من حجة ولا برهان. إِنِ الْحُكْمُ في أمر العبادة إِلَّا لِلَّهِ لأنه المستحق لها دون غيره، من حيث أنه الواجب لذاته، الموجد للكل، هو المالك لأمره، أَمَرَ على لسان أنبيائه أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ولا تعبدوا معه سواه ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ القويم الذي لا عوج فيه، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ دلائل توحيده، فيتخبطون في جهالتهم. قال البيضاوي: وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة بَيّن لهم أولاً: رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة، ثم برهن على أن ما يُسمونها آلهة،