يقول الحق جلّ جلاله، في وصف أولي الألباب: هم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ، أي: يذكرونه على الدوام، قائمين وقاعدين ومضطجعين، وعنه- صلّى الله عليه وسلم-: «منْ أرادَ أن يَرْتَع في رِيَاضِ الجَنة فليُكثْر ذِكرَ الله» . وقيل: يُصلّون على الهيئات الثلاث، حسب الطاقة لقوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين، وكان مريضاً:«صَلِّ قائِماً، فإِنْ لم تستطع فقاعدا، فإن لَمْ تَستطِعْ فعلى جَنْبِكَ وتومىء إيماء» .
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ استدلالاً واعتباراً، وهو أفضل العبادات قال صلّى الله عليه وسلم:«لا عبادة كالتفكر» لأنه المخصوص بالقلب، والمقصود من الخلق، وعنه صلّى الله عليه وسلم:«بينَمَا رجلٌ مُسْتَلقٍ على فِرَاشهِ فَنَظَر إلى السماءِ والنُجومِ، فَقَال: أشْهدُ أن لك خالقا، اللُهمَّ اغفرْ لي، فَنَظَر اللهُ إِليه فَغَفر لَهْ» . وهذا دليل واضح على شرف علم الأصول وفضل أهله. قاله البيضاوي. وسيأتي مزيد من كلام على التفكر في الإشارة إن شاء الله.
فلما تفكروا في عجائب المصنوعات، قالوا: رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا أي: عبثاً من غير حكمة، بل خلقته لحكمة بديعة، من جملتها: أن يكون مبدأ لوجود الإنسان، وسبباً لمعاشه، ودليلاً يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك، لينال الحياة الأبدية، والسعادة السرمدية في جوارك، سُبْحانَكَ تنزيهاً لك من العبث وخلق الباطل، فَقِنا عَذابَ النَّارِ التي استحقها من أعرض عن النظر والاعتبار، وأخلّ بما يقتضيه من أحكام الواحد القهار، وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ يمنعونهم من دخول النار. ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم سبب لإدخالهم النار، وانقطاع النصرة عنهم في دار البوار.
رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ، وهو الرسول العظيم الشأن، أو القرآن قائلا: أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ ووحدوه، فأجبنا نداءه وآمنا، رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا الكبائر، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا الصغائر، وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ المصطفين الأخيار، مخصوصين بصحبتهم، معدودين في زمرتهم، وفيه تنبيه على أنهم يُحبون لقاء الله فأحب الله لقاءهم. رَبَّنا وَآتِنا مَا وَعَدْتَنا عَلى تصديق رُسُلِكَ من الثواب، أو على ألسنة