للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السحرة، والعالم بأن الساحر لا يُفلح لا يستعمل السحر، فهذا كله من كلام موسى عليه السلام، أو من تمام قولهم إن جعل قوله: «أسحرٌ هذا» محكياً لقولهم، كأنهم قالوا: أجئتنا بالسحر لتطلب به الفلاح ولا يفلح الساحرون، والأول أرجح.

قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا لتصرفنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا من عبادة الأصنام، وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ: الملك فيها، سمى الملك كبرياء لاتَّصاف الملوك بالتكبر، وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ: بمصدّقين.

الإشارة: السحر على قسمين: سحر يسحر القلوب إلى حضرة الرحمن، وسحر يسحرها إلى حضرة الشيطان، فالسحر الذي يسحر إلى حضرة الرَّحمن: هو ما جاءت به الأنبياء والرسل، وقامت به الأولياء بعدهم من الأمور التي تقرب إلى الحضرة، إما ما يتعلق بالظواهر، كتبيين الشرائع، وإمّا ما يتعلق بالبواطن، كتبيين الطرائق والأمور التي تُشرق بها أسرارُ الحقائق، وأما السحر الذي يسحر إلى حضرة الشيطان: فكل ما يشغل عن ذكر الرَّحمن، ولذلك قال عليه السلام: «اتَقُوا الدُّنْيَا فإنْهَا أسْحَرُ مَنْ هاروت وماروت» .

ثم ذكر معارضة فرعون، فقال:

[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٩ الى ٨٢]

وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)

قلت: (ما جئتم به) موصوله على من قرأ: «السحر» بلا استفهام، ومن قرأ بالاستفهام ف «ما» مبتدأ، و (جئتم) خبرها، و (السحر) : بدل منه، أو خبر لمحذوف، أي: أهو السحر؟ أو مبتدأ حُذف خبره، أي: السحر هو.

يقول الحق جلّ جلاله: وَقالَ فِرْعَوْنُ لما أراد معارضة موسى عليه السلام: ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ وفى قراءة الأخوين: «سحَّار» ، عَلِيمٍ: حاذق في فنه، فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ، فَلَمَّا أَلْقَوْا حبالهم وعصيهم، فانقلبت حَيَّات في أعين الناس، يركب بعضها بعضاً، قالَ لهم مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ أي: الذي جئتم به هو السحر، لا ما سماه فرعون وقومه سحراً من معجزات العصا. وقرأ البصري: «آلسحر» أي: أيّ شىء جئتم به هو السحر هو؟ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ: سيمحقه، أو سيظهر بطلانه، إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ لا يثبته ولا يديمُه، وفيه دليل على أنَّ السحر تمويه لا حقيقة له، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ السابقة الأزلية، أو بأوامره وقضاياه، وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ذلك.

الإشارة: الأكوان كلها عند اهل التحقيق شعوذة سحرية، خيالية كخيال السحر الذي يظهره المشعوذ، تظهر ثم تبطن، وليس في الوجود حقيقة إلا الواحد الأحد الفرد الصمد، فهي ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته. وهي أيضاً

<<  <  ج: ص:  >  >>