فَإِنْ تَوَلَّوْا وأعرضوا عن التوحيد فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ، فقد لزمتكم الحجة، فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، وأنتم كافرون بما نطقت به الكتبُ وتواطأت عليه الرسل.
تنبيه: انظر ما في هذه الآية من المبالغة وحسن التدرج في الاحتجاج، بيِّن أولاً أحوال عيسى وما تطاور عليه من الأطوار المنافية للألوهية، ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم، فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الإعجاز، ثم لمّا أعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد، عاد عليهم بالإرشاد، وسلك طريقاً أسهل وألزم، بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى وسائر الأنبياء والكتب، ثم لمّا لم يُجد ذلك فيهم شيئاً، وعلم أن الآيات والنذر لا تغني عنهم شيئاً أعرض عنهم، وقال: فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. قاله البيضاوي.
الإشارة: الطرق كثيرة والمقصد واحد، وهو التوحيد الخاص، أعني مقام الفناء والبقاء. فالداعُون إلى الله كلهم متفقون على الدعوة إلى هذا المقصد، فكل طريق لا توصل إلى هذا المقصد لا عبرة بها، وكل داع لا يُبلغ إلى هذا الجمال فهو دجال، فإنْ رضي بتعظيم الناس، ولم يَبْنِ طريقه على الأساس، فليس لصاحبه إلا الإفلاس، وكل مَن أطاع المخلوق في معصية الله فقد اتخذه ربّاً من دون الله، وكل مَن تولى عن طريق الإرشاد فقد استوجب لنفسه الطرد والبعاد، فيقول له الواصلون أو السائرون:(فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) . وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.
ولما قدم وفدُ نجران المدينة، التقوا مع اليهود، فاختصموا في إبراهيم عليه السّلام فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد إنا اختلفنا فى إبراهيم ودينه، فقالت النصارى: كان نصرانيّاً، وقالت اليهود: كان يهوديّاً، وهم أولى الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«كلا الفريقين برئ من إبراهيم، بل كان إبراهيم حنيفاً مسلماً، وأنا على دينه، فاتبعوا دينه الإسلام» . فأنزل الله: