مكية. وهى مائة وإحدى عشرة آية، أو خمس عشرة. ووجه المناسبة لما قبلها: أنه لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالحمد لله على كمال تنزيهه، أخبر أنه يستحق ذلك لإنعامه بأجلّ النعم، وهو إنزال الكتاب العزيز، الذي هو سبب الهداية الموصلة إلى النعيم المقيم. أو تكون تتميما لقوله: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ ... «١» إلخ.
قلت:(قَيِّماً) : حال من الكتاب، والعامل فيه:«أَنْزَلَ» ، ومنعه الزمخشري للفصل بين الحال وذي الحال، واختار أن العامل فيه مضمر، تقديره: جعله قيّمًا، و «لِيُنْذِرَ» : يتعلق بأنزل، أو بقيّمًا. والفاعل: ضمير الكتاب، أو النبي صلى الله عليه وسلم، و «بَأْساً» : مفعول ثان، وحذف الأول، أي: لينذر الناس بأسًا، كما حذف الثاني من قوله:(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا ... ) الخ لدلالة هذا عليه، و (مِنْ عِلْمٍ) : مبتدأ مجرور بحرف زائد، أو فاعل بالمجرور لاعتماده على النفي، و «كَلِمَةً» : تمييز.
يقول الحق جلّ جلاله: الْحَمْدُ لِلَّهِ أي: الثناء الجميل حاصل لله، والمراد: الإعلام بذلك للإيمان به، أو الثناء على نفسه، أو هما معًا. ثم ذكر وجه استحقاقه له، فقال: الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ أي: الكتاب الكامل المعروف بذلك من بين سائر الكتب، الحقيق باختصاص اسم الكتاب، وهو جميع القرآن. رتَّب استحقاق الحمد على إنزاله تنبيهًا على أنه أعظم نعمائه، وذلك لأنه الهادي إلى ما فيه كمال العباد، والداعي إلى ما به ينتظم صلاح المعاش والمعاد.
وفي التعبير عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالعبد، مضافًا إلى ضمير الجلالة تنبيه على بلوغه صلى الله عليه وسلم إلى معاريج العبادة وكمال العبودية أقصى غاية الكمال، حيث كان فانيًا عن حظوظه، قائمًا بحقوقه، خالصًا فى عبوديته لربه.