وأسرار الخصوصية، تمنَّوْا أن يردوهم عن طريق الحق، وبصرفوهم إلى مخالطة الخلق، حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحق، فيقال لمن توجه إلى الحق: فاعفوا واصفحوا حتى يظهر الحق، ولا تلتفتوا إلى تشغيبهم، ولا تشتغلوا قط بعيبهم فتكونوا أقبح منهم.
قال بعض العارفين:(لا تشتغل قط بمَن يؤذيك واشتغل بالله يرده عنك، وقد غلط في هذا الأمر خلق كثير، اشتغلوا بمن يؤذيهم فطال الأذى مع الإثم. ولو أنهم رجعوا إلى مولاهم لكفاهم أمرهم.) . بل ينبغي لمن يُحْسَدُ أو يُؤْذَى أن يغيب عن الحاسد وكيده، ويشتغل بما هو مكلف به من حقوق العبودية وشهود عظمة الربوبية، فإن الله لا يضيع مَن التجأ إليه، ولا يخيب مقصود من اعتمد عليه. وبالله التوفيق.
ومن جملة أمانى اليهود الفارغة: ادعاء اختصاصهم بالجنة، كما أبان ذلك الحق تعالى بقوله:
قلت: وَقالُوا عطف على وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، والضمير يعود على أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أي: وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، وهُوداً: جمع هائد، كبازل وبُزْل وحائل وحول، والأمانى: جمع أمنية، وهي ما يتمنى المرء ويشتهيه، وأصله أمْنُوية كأضْحُوكَة وأعجوبة، فقلبت الواو ياء وأدغمت، وهاتُوا: اسم فعل بمعنى الأمر، ومعناه آتٍ، وأهمل ماضيه ومضارعه، وأَسْلَمَ معناه: استسلم وخضع، والخوف مما يتوقع، والحزن على ما وَقع.
يقول الحق جلّ جلاله: وقالت اليهود: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلا مَن كان يهوديّاً، أي: على دينهم، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا مَن كان نصرانيّاً، وهذه دعاوى باطلة، وأماني فارغة ليس عليها بينة، بل مجرد أمانيهم الكاذبة، قُلْ لهم يا محمد: هاتُوا بُرْهانَكُمْ أنكم مختصون بالجنة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في هذه الأمنية، بل يدخلها غيركم من أهل الإسلام والإحسان، فإن مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ أي: انقاد بكليته إليه وَهُوَ مُحْسِنٌ في أفعاله واعتقاده، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وهو دخول النعيم والنظر إلى وجهه الكريم، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من مكروه يُتوقع وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على فوات شيء يحتاجون إليه لأنهم في ضيافة الكريم تُساق إليهم المسار وتدفع عنهم المضار، وبالله التوفيق.