ثم نهى المؤمنين عن موالاة الكفار لئلا يتشبهوا بالمنافقين، فقال:
[[سورة النساء (٤) : آية ١٤٤]]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤)
قلت: اتخذ، يتعدّى إلى مفعولين، و (من دون) : حال.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تتشبهوا بالمنافقين فتتخذوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ وأصدقاء مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ لأن الله أعزكم بالإيمان والنصر، فلا تطلبوا العز من أحد سواه، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي: حجة واضحة على تعذيبكم وسببًا في عقابكم.
الإشارة: قد تقدم في كثير من الإشارات النهي عن موالاة أهل الإنكار على الأولياء، وعن مخالطة أهل الدنيا وصحبتهم، فإن ذلك حجة واضحة على الرجوع إليهم ومصانعتهم، وهو عين النفاق عند المخلصين.
والله تعالى أعلم.
ثم ذكر وعيد المنافقين، فقال:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٥ الى ١٤٧]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)
قلت: الدَّرَك: والدَّرْك لغتان، كالظَّعَن والظَّعْن، والنَّهَر والنَّهْر، والنَّشَر والنَّشْر، وهي الطبقة السفلى، وسميت طبقاتهم دركات لأنها مُتداركة متتابعة، وهي ضد الدرجات، فالدرجات للعلو، والدركات للسفل.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ أي: في الطبقة السفلى في قَعر جهنم لإنهم أخبث الكفرة، حيث ضموا إلى الكفر الاستهزاء بالإسلام وخداع المسلمين. قال ابن مسعود رضي الله عنه:
(هم في توابيت من النار مقفلة عليهم في النار، مطبقة عليهم) . وعن ابن عمر رضي الله عنه: (إن أشدُّ الناس عذاباً يومَ القيامة ثلاثة: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون لقوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ