للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: جملة: (ولا يذكرون الله) حال من واو (يُراءون) ، وكذلك (مذبذبين) أي: يراءون حال كونهم غير ذاكرين مذبذبين، أو منصوب على الذم، والمذبذب: المضطرب المتردد.

يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ

بإظهار الإيمان وإخفاء الكفر، وَهُوَ خادِعُهُمْ

، أي: مجازيهم على خداعهم بأن يظهر لهم يوم القيامة نورًا يمشون به على الصراط، كما يعطي المؤمنين، فإذا مضوا به طفئ نورهم وبقي نور المؤمنين، فينادونهم: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً، فيتهافتون في النار. فسمي هذه العقوبة خداعًا تسمية للعقوبة باسم الذنب.

وكانوا إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى

أي: متثاقلين، لا يريدون بها وجه الله، فإن رءاهم أحد، صلوا، وإلاَّ انصرفوا، فلم يصلوا، يُراؤُنَ

بأعمالهم النَّاسَ

أي: المؤمنين، وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا

لأن المرائى لا يذكر إلا بحضرة الناس، وهو أقل أحواله، أو لا يذكرونه في صلاتهم إلا قليلاً، لأنهم لا يذكرون إلا التكبير والتسليم، وقال ابن عباس: إنما ذلك لأنهم يفعلونها رياءً وسمعةً، ولو أرادوا بذلك وجه الله تعالى لكان كثيرًا.

وقال قتادة: إنما قل ذكرهم، لأنه لم يُقبل، فكل ما رُدَّ من العمل فهو قليل، وكل ما قُّبل فهو كثير.

وكانوا أيضًا مُذَبْذَبِينَ أي: مترددين ومتحيرين بين الكفر والإيمان، لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ أي: لا صائرين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين. قال قتادة: ما هم بمؤمنين مخلصين، ولا مشركين مُصَرِّحين بالشرك، هكذا سبق في علم الله، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي: طريقًا إلى الهدى، ومثله قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.

الإشارة: كل من أحب أن يَرى الناسُ محاسنَ أعماله وأحواله، ففيه شعبة من النفاق وشعبة من الرياء، وعلامة المرائي: تزيين ظاهرة وتخريب باطنه، يتزين للناس بحسن أعماله وأحواله، يراقب الناس ولا يراقب الله، وكان بعضُ الحكماء يقول: يقول الله- تعالى-: «يا مُرائي: أمرُ من ترائي بيد من تعصيه» . فمثل هذا أعماله كلها قليلة، ولو كثرت في الحس كالجبال الرواسي، وأعمال المخلصين كلها كثيرة ولو قلَّت في الحس، وأعمال المرائين كلها قليلة ولو كثرت في الحس. قال في القوت: وَصَفَ اللهُ تعالى ذكر المنافقين بالقلة، لكونه غير خالص، كما قيل في تفسير قوله تعالى: ذِكْراً كَثِيراً أي: خالصًا، فسمي الخالص كثيرا. هـ.

قوله تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ: هذه صفة أهل الدعوى، المستشرفين على الحقيقة بالعلم، ليسوا من الخصوص ولا من العموم، مترددين بين الفريقين، ومن يضلل الله عن طريق التحقيق، فلن تجد له سبيلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>