يقول الحق جلّ جلاله: حافِظُوا أيضاً على أداء الصَّلَواتِ الخمس في أوقاتها بإتقان شروطها وأركانها وخشوعها وآدابها، ولا تشتغلوا عنها بشهوات النساء وتشغيب أحكامهن، ولا بغير ذلك، وحافظوا أيضاً على الصَّلاةِ الْوُسْطى وهى العصر عند الشافعي، وهو ظاهر الحديث، أو الصبح عند مالك لفضلها، أو لتوسطها بين صلاتي الليل والنهار. وما من صلاة إلا وقيل فيها الوسطى. وقيل: أخفيت كساعة الجمعة وليلة القدر.
وَقُومُوا لِلَّهِ في الصلاة قانِتِينَ أي: ساكتين، وكان، قبل نزول الآية، الكلام في الصلاة جائزاً، أو قيل: مطيعين. إذ القنوت في القرآن كله بمعنى الطاعة. فَإِنْ خِفْتُمْ من عدو، أو سَبع، أو سَيْل، فصلُّوا قياماً على أرجلكم بالإيماء للسجود، أَوْ رُكْباناً على خيولكم بالإيماء للركوع والسجود، فَإِذا أَمِنْتُمْ في الصلاة، أو بعدها، فصلوا صلاة أمن، فَاذْكُرُوا اللَّهَ في الصلاة، وصلوا كَما عَلَّمَكُمْ من الكيفية ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ قبل ذلك.
الإشارة: حافظوا على الصلوات الحسية قياماً بوظائف العبودية، وعلى الصلاة القلبية قياماً بشهود عظمة الربوبية وهي الصلاة الوسطى لدوامها في كل ساعة، قيل لبعضهم: هل للقلوب صلاة؟ قال: نعم، إذا سجد لا يرفع رأسه أبداً. هـ. أي: إذا خضع لهيبة العظمة لم يرفع أبداً، وفي ذلك يقول الشاعر:
فاسجُدْ لهيبةِ الجَلالِ ... عنْد التَّدَانِي
وَلْتَقْرَأ آيةَ الكَمالِ ... سَبْعَ المَثَانِي
وأشار بقوله «آية الكمال» لقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليجمع بين الشريعة والحقيقة، فسجود القلب حقيقة، وسجود الجوارح شريعة، وقوموا لله بآداب العبودية قانتين خاشعين، فإن خفتم ألا تصلوا إلى ربكم، قبل انقضاء أجلكم، فسيروا إليه رجالاً أو ركباناً، خفافاً أو ثقالاً، فإذا أمنتم من القطيعة- وذلك بعد التمكين- فاذكروا الله شكراً لأجل ما أطلعكم عليه، وعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من عظمة الربوبية، وكمال آداب العبودية.