قلت:(كم) خبرية، أو استفهامية، محلها نصب بفعل محذوف يُقدر مؤخراً للصدرية، أي: كم آياتنا آتيناهم، أو رفع بالابتداء، والعائد محذوف، أي: آتيناهموه.
يقول الحق جلّ جلاله لرسوله- عليه الصلاة والسلام- أو لكل سامع: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ سؤال تقريع، وقل لهم: كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ أي: كثيراً ما آتيناهم من آية واضحة في شأنك، تدل على صدق رسالتك وعلو شأنك وفخامة أمرك، اعتناء بأمرهم، ونعمة على مَنْ أدرك زمانك منهم. ثم إنهم بدلوا نعمة الله كفرا، وحجدوا فكتموا تلك النعمة وكفروها، وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ من بعد مجيئها إياه، فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن كفر نعمه وجحد رسله، نعوذ بالله من السلب بعد العطاء، ومن كفران النعم، وحرمان الرضا.
الإشارة: ما قيل لبني إسرائيل، يقال لمن تحقق بولاية وليّ من أولياء الله، ثم حجدها وكتمها، وحرّم نفسه بركة ذلك الولي، فمات على مرضه، فيقال له: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. وعقوبته: أن يلقى الله بقلب سقيم، فيُبعث مع عوام أهل اليمين، ويُحرم درجة المقربين، التي تلي درجة النبيين والمرسلين. عائذاً بالله من الحرمان، وشُؤمِ عاقبةِ الخذلان.
ثم ذكر الحق جل جلاله سبب هذا الحرمان، وهو حب الدنيا، فقال:
قلت:(زُين) مبني للمفعول، والفاعل هو الله، إذ لا فاعل سواه.
يقول الحق جلّ جلاله: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا من أهل الكتاب وغيرهم، الْحَياةُ الدُّنْيا أي: حُسِّنَتْ في أعينهم، وأُشربت محبتها في قلوبهم، حتى تهالكوا عليها، واعرضوا عن غيرها، فلم تتفرغ قلوبهم للتفكر والاعتبار، ولم تستمع آذانهم للوعظ والتذكار، بل أعمتهم، وأصمّتهم، وقصروا عليها همتهم، حتى جعلوا يسخرون ممن أعرض عنها، كفقراء المسلمين وأهل الصفة، فكانوا يستهزئون بهم، حيث رفضوا الدنيا وأقبلوا على الله، فرفعهم الله