قلت:(إذْ) : ظرف لعفا، أو اذكر. وأصعد: أبعد في الأرض، وصعد: في الجبل، فالإصعاد: الذهاب في الأرض المستوية، والصعود: الارتقاء في العلو. وقرئ بهما معاً لأنهما وقعا معاً، فمنهم من فرّ ذاهباً في الأرض، ومنهم من صعد إلى الجبل. و (لكيلا) : متعلق بأثابكم.
يقول الحق جلّ جلاله: ولقد عفا عنكم حين كنتم تُصْعِدُونَ عن نبيه- عليه الصلاة والسلام-، منهزمين عنه، تبعدون عنه، وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ أي: لا يلتفت بعضكم إلى بعض، ولا ينتظر بعضكم بعضاً، وَالرَّسُولُ محمد صلّى الله عليه وسلم يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ أي: في ساقتكم، يقول:«إليَّ عباد الله، أنا رسول الله، من يكرُّ فله الجنة» ، وفيه مدح للرسول صلّى الله عليه وسلم بالشجاعة والثبات، حيث وقف في آخر المنهزمين، فإن الآخر هو موقف الأبطال، والفرار فى حقه صلّى الله عليه وسلم محال.
فَأَثابَكُمْ أي: فجازاكم على ذلك الفرار، غَمًّا وهو ظهور المشركين عليكم وقتل إخوانكم، بسبب غم أوصلتموه للنبى صلّى الله عليه وسلم بعصيانه والفرار عنه، وقدَّر ذلك لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ من الغنيمة، وَلا على ما أَصابَكُمْ من الجرح والهزيمة، لأن من استحق العقوبة والأدب لا يحزن على ما فاته ولا على ما أصابه إذ جريمته تستحق أكثر من ذلك، يرى ما نزل به بعض ما يستحقه، فيهون عليه أمر ما نزل به أو ما فاته من الخير.
أو يقول: فَأَثابَكُمْ غَمًّا متصلاً بِغَمٍّ فالغم الأول: ما فاتهم من الظفر والغنيمة، والثاني: ما نالهم من القتل والهزيمة، أو الأول: ما أصابهم من القتل والجراح، والثاني: ما سمعوا من الإرجاف بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك ليتمرنوا على المحن والشدائد حتى لا يجزعوا من شيء. وبذلك وصفهم كعب بن زهير في لاميته، حيث قال:
لاَ يَفْرَحُونَ إِذا نَالَتْ رِماحُهُمْ ... وَلَيْسُوا مجازيعاً إذا نِيلُوا
فإن المتمرّن على المصائب المتعود عليها يهون عليه أمرها، فلا يحزن على ما أصابه ولا ما فاته، وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ وبما قصدتم، فيجازيكم على ذلك.