قاله، أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ أي: يلحقهم نصيبهم مما كتب في اللوح المحفوظ من الأرزاق والآجال، حَتَّى إِذا انقضت أعمارهم وجاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ أي: يتوفون أرواحهم، قالُوا لهم توبيخًا: أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله لتدفع عنكم العذاب؟ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا غابوا عنا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ، اعترفوا بأنهم كانوا ضالين فيما كانوا عليه، وندموا حيث لم ينفع الندم، وقد زلَّت بهم القدم.
الإشارة: كل مَن أعرض عن خصوص أهل زمانه، واشتغل بمتابعة حظوظه وهواه، ينال نصيبه من الدنيا الفانية وما قُسِم له فيها فإذا جاءت منيته ندم وتحسر، وقيل له: أين ما تمتعت به وشغلك عن مولاك؟ فيقول: قد غاب ذلك وفنى وانقضى، وكأنما كان برقًا سَرَى، أو طَيفَ كَرَى، والدهر كله هكذا لمن سدد نظرًا، وعند الصباح يحمد القوم السُّرَى، وستعلم، إذا انجلى الغبار، أفرس تحتك أم حمار.
وقد قال صلّى الله عليه وسلّم في بعض خطبه:«لا تخدعنكم زخارف دنيا دنية، عن مراتب جنات عالية فكأنْ قد كشف القناع، وارتفع الارتياب، ولا قى كل امرئ مستقره، وعرف مثواه ومُنَقَلَبه» . وفي حديث آخر:«مَن بدأ بَنَصِيبه من الدنيا فَاتَه نصيبُه من الآخرة، ولم يُدرك منها ما يريد، ومَن بدأ بنصيبه من الآخرة، وصل إليه نصيبه من الدنيا، وأدرك من الآخرة ما يريد» .
يقول الحق جلّ جلاله: قالَ الله تعالى أي: يوم القيامة للكفارٍ، بواسطة ملك، أو بغيرها: ادْخُلُوا فِي جملة أُمَمٍ كانوا من قبلكم مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ متفقين معكم في الكفر والضلال، فادخلوا مصاحبين معهم فِي النَّارِ. قال تعالى، مخبرًا عن حالهم: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ منهم في النار لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت