وبعد الوعي يكون البيان، فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ
. وقد تكون خارجة عن مدارك العقول. فأما أهل الزيغ والانتقاد فيتبعون المتشابه من تلك الواردات، ابتغاء فتنة العامة، وصرفهم عن طريق الخاصة، وابتغاء تأويله، ليقيم عليه حجة الشريعة، (وما يعلم تأويله إلا الله) ، أو من تحقق فناؤه في الله، وهم الراسخون في معرفة الله، يقولون:(آمنا به كل من عند ربنا) إذ القلوب المطهرة من الهوى لا تنطق عن الهوى، وهم أرباب القلوب يقولون:(ربنا لا تزغ قلوبنا) عن حضرة قدسك (بعد إذ هديتنا) إلى الوصول إليها، (وهب لنا من لدنك رحمة) تعصمنا من النظر إلى سواك، (إنك أنت الوهاب) ربنا إنك جامع الناس. وهم السائرون إليك ليوم لا ريب في الوصول إليه، وهو يوم اللقاء، (إنَّكَ لا تُخْلفُ المِيعادَ) فاجمع بيننا وبينك، وحل بيننا وبين من يقطعنا عنك (إِنك على كل شيءٍ قدير) .
قلت:(الوقود) بالفتح: الحطب، وبالضم: المصدر، (كذأب آل فرعون) خبر، أي: دأبهم كدأب آل فرعون.
والدأب: مصدر دأب، إذا دام، ثم نقل إلى الشأن والعادة، و (كذبوا) : حال بإضمار «قد» ، أو مستأنف، تفسير حالهم، أو خبر إن ابتدأت بالذين من قبلهم.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بما أنزلته، على نبينا محمد- عليه الصلاة السلام-، إذا عاينوا العذاب لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ، أي: بدلاً من رحمته أو طاعته، أو بدلاً من عذابه، شَيْئاً، وأولئك هم حطب جهنم، فشأنهم كشأن آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قد كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أي: أهلكهم، وشدد العقوبة عليهم، وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ لمن أعرض عنه وركن إلى غيره.
الإشارة: كل من جحد أهل الخصوصية، وفاته حظه من مشاهدة عظمة الربوبية، حتى حصل له الطرد والبعاد، وفاته مرافقة أهل المحبة والوداد، لن تغني عنه- بدلاً مما فاته- أموالُ ولا أولاد، واتصلت به الأحزان والأنكاد كما قال الشاعر: