للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة: قد وقع التبرؤ من أهل الشرك مطلقاً، أما الشرك الجلي فقد تبرأ منه الإسلام والإيمان، وأما الشرك الخفي فقد تبرأ منه مقام الإحسان، ولا يدخل أحدٌ مقام الإحسان حتى لا يعتمد على شيء، ولا يستند إلى شيء، إلا على من بيده ملكوت كل شيء، فيطرح الأسباب وينبذ الأرباب، ويرفض النظر إلى العشائر والأصحاب، حتى لا يبقى في نظره إلا الكريم الوهاب، فمن أصرّ على شركه الجلي أو الخفي فإن الله يمهل ولا يهمل، فلا بد أن يلحقه وباله: إما خزي في الدنيا، أو عذاب في الآخرة، كلٌّ على ما يليق به.

وقال القشيري: إنْ قَطَعَ عنهم الوصلة فقد ضَرَبَ لهم مدةً على وجه المُهْلَةِ، فأَمَّنهُم في الحَالِ ليتأهبوا لتَحمُّل مقاساةِ البراءةِ فيما يستقبلونه في المآلِ. والإشارةُ فيه: أنهم إنْ أقلعوا في هذه المهلة عن الغَيِّ والضلال، وجدوا في المآل ما فقدوا من الوصال، وإنْ أبَوْا إلا التمادي في تَرْكِ الخدمة والحرمة، انقطع ما بينه وبينهم من الوصلة. هـ. والله تعالى أعلم.

ثم أمر بإظهار تلك البراءة للناس، فقال:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣ الى ٤]

وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)

قلت: (وأذان) : مبتدأ، أو خبر، على ما تقدم في براءة، وهو فَعال بمعنى إفعال كالعطاء بمعنى الإعطاء، أي:

وإعلام من الله ورسوله واصل إلى الناس، ورفع «رسوله» إما عطف على ضمير برىء، أو على محلّ «إِنّ» واسمها، أو مبتدأ حُذف خبره، أي: ورسوله كذلك.

يقول الحق جلّ جلاله: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ واصل إلى الناس، يكون يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وهو يوم النحر لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، ولأن الإعلام كان فيه. ولما روى أنه- عليه الصلاة والسلام- وقف يوم النحر، عند الجمرات، في حجة الوداع، فقال: «هذا يوم الحج الأكبر» «١» ، وقيل: يوم عرفة لقوله- عليه الصلاة والسلام-: «الحج عرفة» «٢» . ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة تسمى الحج الأصغر.


(١) أخرجه البخاري فى (الحج- باب الخطبة أيام منى) عن نافع عن ابن عمر.
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٤/ ٣٠٩) وأبو داود فى (المناسك، باب من لم يدرك عرفة) والترمذي فى (الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج) ، كذلك أخرج الحديث النسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن يعمر. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>