للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ذكر نزول العذاب الذي وعدهم به، فقال:

[سورة هود (١١) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]

وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠)

قلت: إنما قال هذا وفي قصة شعيب: (ولما) ، بالواو، وفي قصة صالح ولوط: (فلما) ، بالفاء لأن قصة صالح ولوط ذكرهما بعد الوعيد، فى بالفاء التي تقتضي التسبب، كما تقول: وعدته فلما جاء الوعيد كان.. الخ، بخلاف قصة هود وشعيب لم يتقدم ذلك فيهما، فعطف بالواو. قاله الزمخشري.

يقول الحق جلّ جلاله: وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا: عذابنا، أو أمرنا بالعذاب، نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا، وكانوا أربعة آلاف، وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ، وهو ريح السموم، وكانت تدخل أنوف الكفرة وتخرج من أدبارهم فتقطع أمعاءهم. والتكرير لبيان ما نجاهم منه، وإعلاماً بأنه عذاب غليظ، وتعديداً للنعمة في نجاتهم. ويحتمل أن يريد بالنجاة الأولى: من عذاب الدنيا، وهو الريح الذي نزل بقومهم، وبالنجاة الثانية: عذاب الآخرة، وهو العذاب الغليظ، ولذلك عطفه على النجاة الأولى التي أراد بها النجاة من الريح.

وَتِلْكَ عادٌ الإشارة إلى القبيلة، أو إلى قبورهم وآثارهم تهويلاً وتهديداً، جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ كفروا بها، وَعَصَوْا رُسُلَهُ، والجمع إما لأنَّ من عصى رسولاً فكأنما عصى الكل لأنهم متفقون في الدعوة، مع أنهم أُمروا بطاعة كل رسول. وإمَّا على إرادة الجنس، كقولك: فلان يركب الخيل، وإن لم يركب إلا فرساً واحداً. وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يعني: كبراءهم الطاغين، والعنيد: الطاغي، والمعنى: عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم، وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أي: جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين في الدنيا أهلكتهم، وفي الآخرة أحرقتهم.

أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ جحدوه، أو كفروا نعمه. وفيه تشنيع لكفرهم وتهويل لأمرهم، بالإتيان بحرف التنبيه، وتكرار اسم عاد أَلا بُعْداً لِعادٍ أي: هلاكاً لهم، دعا عليهم بالهلاك بعد أن هلكوا للدلالة على أنهم كانوا مستحقين له، مستوجبين لما نزل بهم بسبب ما حكي عنهم. وإنما كرر «ألا» ، وأعاد ذكرهم تفظيعاً لأمرهم، وحثاً على الاعتبار بحالهم. ثم بيَّنهم بقوله: قَوْمِ هُودٍ. فهو عطف بيان لعاد، وفائدته: تمييزهم عن عاد الثانية، التي هي عاد إرم، والإيماء إلى [استحقاقهم للبعد] «١» بما جرى بينهم وبينه. قاله البيضاوي.


(١) فى الأصول: [استحقارهم له] . والمثبت هو الذي فى تفسير البيضاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>