عرف العبد تقصيره في حق مولاه، ورأى مع ذلك تجاوزه عنه، وإحسانه إليه، فضلاً عن ترك مؤاخذته بما جناه، انغرس في قلبه محبته، وقوى بذلك نشاطه، وخفت عليه الأعمال، وقويت منه الأحوال، فكلاهما محفوظ مُعَان، إلا أن الأول قهر مع تعلقه، وهذا إكرام ولطف بعد جريان هفوته، ثم ذكر الدرجة الثالثة، فانظره. هـ. بنقل المحشى.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَمَّا سَكَتَ أي: سكن عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ لَمَّا كان الغضب هو الحامل له على ما فعل صار كأنه كان يأمره به ويغريه عليه، حتى عبَّر عن سكونه بالسكوت، أي: لما سكن غضبه أَخَذَ الْأَلْواحَ التي ألقاها، وَفِي نُسْخَتِها أي: وفيما نسخ فيها، أي: كُتب هُدىً وَرَحْمَةً أي: بيان للحق وإرشاد إلى الصلاح والخير، لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أي: للذين يخافون ربهم ويهابونه لأنهم هم المنتفعون بها، ودخلت اللام في المفعول لضعف العامل بتأخره.
الإشارة: الغضب لأجل النفس يُفسد الإيمان، كالحنظل مع العسل، ولذلك قال- عليه الصلاة والسلام- للذي قال له: أوصني، قال:«لا تَغضَب» ، ثم كرر عليه: أوصني، قال:«لا تَغضَب» ، ثلاثًا، لأن الغضب المفرط يغطي نور العقل، فيصدر من صاحبه أمور منكرة، قد يخرج بها عن الإيمان بالكلية، وقد يؤدي إلى قتل نفسه والعياذ بالله، والغضب معيار الصوفية قال بعضهم: إذا أردتَ أن تعرفَ الرجل فغضبه وانظر ما يخرج منه، إلى غير ذلك مما ورد فيه، فإن كان غضبه لله أو بالله فلا كلام عليه، وهو حال الأنبياء وأكابر الأولياء- رضى الله عنهم-.
ولما انقضت قضية العجل أراد سيدنا موسى عليه السلام أن يذهب بقوم، يعتذرون عن عبادة العجل، كما قال تعالى: