مكية. وهى ستون آية. ومناسبتها لما قبلها ما ختمت به من قوله تعالى: ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ «١» ، فأقسم سبحانه فى صدر هذه السورة إنه لواقع، حيث قال:
يقول الحق جلّ جلاله: وَالذَّارِياتِ الرياح الذاريات لأنها تذرو التراب والحشيش وغير ذلك، يُقال:
ذرت الرياحُ تذرو ذرواً، وأذرت تذري، وذَرْواً: مصدر، والعامل فيه اسم الفاعل. فَالْحامِلاتِ وِقْراً، أي:
السحاب الحاملة للأمطار، أو: الرياح الحاملة للسحاب الموقورة بالماء. وقال ابن عباس: السفن الموقورة بالناس، ف «وِقراً» : مفعول بالحاملات، فَالْجارِياتِ يُسْراً أي: السفن الجارية في البحر والرياح الجارية في مهابها، أو السحاب الجارية في الجو تسوق الرياحَ، او: الكواكب السيارة الجارية في مجاريها ومنازلها بسهولة، (يسراً) : نعت لمصدر محذوف، أي: جرياً ذا يسر.
فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً أي: الملائكة التي تقسم الأمور الغيبية من الأمطار والأرزاق والآجال، والخَلْق في الأرحام، وأمر الرياح، وغير ذلك لأن هذا كله إنما هو بملائكة تخدمه، ف «أمراً» هنا جنس، وأنَّثَ «المقسّمات» لأن المراد الجماعات، ويجوز أن يُراد الرياح في الكل، فإنها تنشئ السحاب، وتُقلّه، وتُصرّفه، وتجري به في الجو جرياً سهلاً، وتقسّم الأمطار بتصريف السحاب في الأقطار. ومعنى الفاء على الأول: أنه تعالى أقسم بالرياح، فبالسحاب التي تسوقه، فبالفلك الجارية بهبوبها، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق، وعلى الثاني: أنها تبتدئ بالهبوب، فتذرو التراب والحصباء، فتُقل السحاب، فتجري في الجو باسطةً له، فتقسّم المطر.
وقال أبو السعود: فإن حملت الأمور المقْسم بها على ذوات مختلفة، فالفاء لترتيب الإقسام باعتبار ما بينها في التفاوت في الدلالة على كمال القوة، وإلا فهي لترتيب ما صدر عن الريح من الأفاعيل، فإنها تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحاباً، فتجرى به باسطة له إلى ما أمرت به، فتقسم المطر. هـ.