الدنيا، لم يحتجب الحق تعالى عنه في الدارين طرفة عين. فتحصل أن الأشياء كلها تُسبح من جهة معناها بلسان المقال، ومن جهة حسها بلسان الحال، وتسبيحها كما ذكرنا. ولا يذوق هذا إلا من صحب العارفين الكبار، حتى يخرجوه عن دائرة حس الأكوان إلى شهود المكوِّن. وحسب من لم يصحبهم التسليم، كما قال القائل:
قلت:(أَنْ يَفْقَهُوهُ) : مفعول من أجله، أي: كراهة أن يفقهوه، و (نُفُوراً) : مصدر في موضع الحال. والضمير في (بِهِ) : يعود على «ما» ، أي: نحن أعلم بالأمر الذي يستمعون به من الاستهزاء والسخرية.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ الناطق بالتنزيه والتسبيح، ودعوتهم إلى العمل بما فيه من التوحيد، ورفض الشرك، وغير ذلك من الشرائع، جَعَلْنا بقدرتنا ومشيئتنا المبنية على دواعي الحِكَمِ الخفية بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، خَصَّ الآخرة بالذكر من بين سائر ما كفروا به دلالة على أنها معظم ما أمروا بالإيمان به، وتمهيدًا لما سينقل عنهم من إنكار البعث، أي: جعلنا بينك وبينهم حِجاباً يمنعهم عن فهمه والتدبر فيه، مَسْتُوراً عن الحس، خفيًا، معنويًا، وهو الران الذي يَسْبَحُ على قلوبهم من الكفر، والانهماك في الغفلة. أو: ذا ستر، كقوله: وَعْدُهُ مَأْتِيًّا «١» ، أي: آتيًا، فهو ساتر لقلوبهم عن الفهم والتدبر.