الإشارة: مساجدُ الله هي حضرة القلوب وحضرة الأرواح وحضرة الأسرار، فحضرة القلوب لأهل المراقبة من أهل الإيمان، وحضرة الأرواح والأسرار لأهل المشاهدة والمكالمة من أهل الإحسان، فمن منع نفسه من الدخول في هذه الحضرات الثلاث، وسعى في خراب باطنه باتباع الحظوظ والشهوات، ومال إلى الدنيا وزخارفها الغرارات، فلا أحد أظلم منه نفساً، ولا أبخس منه صفقةً. فلا ينجعُ في هؤلاء إلا خوف مُزعج أو شوقٍ مقلق. فإن لم يكن أحد من هذين بقي على غيّه حتى مخايل الموت، فيحن إلى الدخول فيها خائفاً، ولا ينفع حينئذٍ الندم، وقد زلّت به القدم، له في الدنيا ذلك الفقر والجزع، وله في الآخرة غم الحجاب وسوء الحساب وحسرة العتاب، نسأل الله العافية في الدارين. آمين، بمنه وكرمه.
وقال القشيري: نفْسُ العابدِ وَطَنُ العبادة، وقلب العارف وطن المعرفة، وروح الواجد وطن المحبة، وسر الموحِّد وطن المشاهدة، ولا أظلم ممن سعى في خراب وطن العابد بالشهوات، وفي وطن المعرفة بالمُنى والعلاقات، وفي وطن المحبة بالحظوظ والمساكنات، وفي وطن الموحد بالالتفات إلى القربات. هـ. وبالله التوفيق.
ولمَّا ذكر الحق تعالى تعطيل بعض المساجد والمنع من الصلاة فيها، وسع على عباده فى الصلاة حيث شاءوا، فقال:
قلت:(أينما) شرطية، و (تولوا) شَرْطُها، وجملة (فثم) جوابها، و «وَلْي» يستعمل بمعنى أدبر وبمعنى أقبل، تقول: وليت عن كذا أو كذا، والوجه هنا بمعنى الجهة، تقول: سافرت في وجه كذا، أي في جهة كذا. قاله ابن عطية.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، والجهات كلها له، لا يختص ملكه بمكان دون آخر، فإذا مُنعتم من الصلاة في المساجد ففي أي مكان كنتم ووليتم وجهكم إلى القبلة التي أمرتم بالتوجه إليها فثم جهته التي أمر بها، أو فثم ذاته المقدسة، أي: عالم مطلع على ما يفعل فيه، إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ بإحاطته بالإشياء، أو برحمته يريد التوسعة على عباده، عَلِيمٌ بمصالحهم وأعمالهم في الأماكن كلها.
وعن ابن عمر: أنها نزلت في صلاة المسافر على الراحلة حيثما توجهت به، وقيل: في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا إلى أنحاء مختلفة، فلما أصبحوا تبينوا خطأهم، وعلى هذا: لو أخطأ المجتهد ثم تبين له الخطأ، لم يلزمه التدارك. قاله البيضاوي.
الإشارة: اعلم أن الأماكن والجهات، وكل ما ظهر من الكائنات، قائمة بأنوار الصفات، ممحوة بأحدية الذات، «كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان» إذ لا وجود لشئ مع الله، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ